ترحيب بالحكومات بين السردية الواقعية والنهايات المتشابهة

من وحي أدبيات السياسة البريطانية: الترحيب بالحكومات بين السردية الواقعية والنهايات المتشابهة، هل هو طيف أعضائها أم آمال الشعوب اللامتناهية؟ ما الذي يغير النهايات؟

الدكتور عادل محمد الوهادنة

في قلب الأدبيات السياسية البريطانية، حيث يتداخل الواقع مع التوقعات، يُطرح سؤال عميق لا يزال يشغل المفكرين والمراقبين: لماذا يبدأ الترحيب بالحكومات بشغف ثم ينتهي بنفس النغمة المعتادة من خيبة الأمل؟ هذا التحول بين البداية المتفائلة والنهاية المتشابهة يشير إلى مفارقات كثيرة، تدور بين تصورات الحكومات من جهة، وتطلعات الشعوب من جهة أخرى، ولكن ما الذي يغير النهايات في النهاية؟

الترحيب بالحكومة: بين طيف الأعضاء وآمال الشعوب

عندما تستلم الحكومة مقاليد السلطة، تبدأ اللحظات الأولى بتوقعات كبرى، متشبعة بالآمال والأحلام. بالنسبة للأعضاء في الحكومة، فإن الطموحات تكون دائمًا في ذروتها، إذ يعتقدون أن لديهم القدرة على إحداث التغيير المنشود. هؤلاء الأعضاء غالبًا ما يرون في السلطة فرصة لتحقيق "طيف” من الأهداف الكبرى التي يطمحون لتحقيقها، وهي تصورات مشبعة بمثالية غالبًا ما تُصطدم بسرعة بالواقع. من جهة أخرى، لا تتوقف آمال الشعوب عن التوسع، حيث ترنو إلى تحقيق آمال لامتناهية تتجاوز في بعض الأحيان حدود المنطق والواقعية.

لكن هل هذه الآمال والتوقعات هي نفسها التي تخلق الفجوة بين الحكومات والشعوب؟ هل الحكومات هي من تُسهم في رسم هذه الفجوة، أم أن هذه التوقعات هي ما يصنع التباين في الواقع؟ وفي ظل الرقمنة وتزايد الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت، تُظهر الدراسات الحديثة أن آمال الشعوب أصبحت أكثر تطورًا من أي وقت مضى. فمن خلال البيانات الرقمية، يمكن قياس توقعات الناس بشكل أدق. في تقرير صادر عن The Digital Government Index 2023، تبين أن 74% من المواطنين في المملكة المتحدة يرون أن الوعود الحكومية في مجال التحول الرقمي هي حجر الزاوية لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن 58% فقط من هؤلاء يشعرون بأن هذه الوعود تتحقق في الواقع.

التوقعات الحكومية مقابل الواقع

بالرغم من هذه التوقعات العالية، إلا أن الحكومات تجد نفسها عالقة بين ما يمكن تحقيقه وما هو ممكن في الواقع. وكلما طالت فترة السلطة، كلما بدأت التحديات تبرز، مع مواجهات مع الأزمات الاقتصادية، والتضخم، والقضايا الأمنية التي قد تخرج عن سيطرتها. وتظهر هنا الرقمنة كعامل يضيف بعدًا جديدًا في تقييم هذه التحديات، فبينما تدعي الحكومات تقديم حلول رقمية مبتكرة، يظل الواقع بعيدًا عن تلك الحلول في كثير من الأحيان. وفقًا لدراسة GovTech 2023، 62% من الحكومات في المملكة المتحدة قد أطلقت مشروعات رقمية، لكنها تجد نفسها غالبًا غير قادرة على تلبية احتياجات المواطنين بسبب الفجوة في القدرات التكنولوجية أو نقص التمويل.

النهايات المتشابهة: هل هي حتمية؟

وعلى الرغم من التباين الكبير في التوقعات، تظل النهايات عادة متشابهة. فما الذي يغير هذه النهايات؟ الإجابة تكمن في الطريقة التي يتعامل بها كل طرف مع التحديات، سواء أكان من داخل الحكومة أم من خلال تطلعات الشعوب التي قد تتحول إلى خيبة أمل إذا لم تتحقق.

يُظهر التحليل الرقمي أن هناك تأثيرًا كبيرًا للرقمنة في تحديد هذه النهايات، حيث أن البيانات المفتوحة والتقنيات الحديثة توفر للحكومات أدوات أفضل لمراقبة الأداء واتخاذ القرارات. لكن، تبقى الحقيقة أن الرغبة في تغيير النهايات لا ترتبط فقط بالتقنيات، بل بالقدرة على إدارة التوقعات بنجاح. دراسة Public Expectations in a Digital Age تؤكد أن الحكومات التي تحافظ على شفافية في التعامل مع البيانات والقرارات تظل أكثر قدرة على إدارة التوقعات، مما يقلل من الفجوة بين البداية المشرقة والنهاية المخيبة.

خاتمة: ما الذي يغير النهايات؟

في النهاية، يظل السؤال الأبرز: ما الذي يغير النهايات؟ هو التوازن بين الطموحات المبالغ فيها والقدرة على الاستجابة للتحديات الحقيقية التي تواجهها الحكومات. في عالم يتزايد فيه الدور الرقمي بشكل مستمر، قد تكون الرقمنة هي الأداة التي تساهم في إدارة تلك النهايات. لكن، تظل الحقيقة أن النهايات لن تتغير ما لم يتغير الفهم العميق للطموحات والقدرة على التكيف مع الواقع. في هذا الصراع المستمر بين التوقعات والمفارقات، لا تزال الإجابة غامضة، لكن العبرة قد تكون في كيفية الاستجابة لتلك الفجوات التي تفتحها الأماني غير المحدودة.