الدبلوماسية الأردنية تتألق

إسماعيل الشريف

المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد – جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين.
منذ اليوم الأول للثورة السورية، كان الأردن منحازاً إلى حقن دماء الشعب السوري والحفاظ على وحدة أراضيه. ففي أيلول عام 2011، دعا جلالة الملك عبد الله الثاني الرئيس السوري آنذاك، بشار الأسد، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إلى التنحي. وفي تشرين الأول 2013، أكد جلالته، في مقابلة مع قناة (CBS) الأمريكية، أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي، محذراً من أن الحرب الأهلية قد تستمر إذا لم يتم التوصل إلى هذا الحل. كما أشار في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست في نيسان 2016 إلى أن تقسيم سوريا سيكون كارثياً على المنطقة بأسرها.

زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي ولقاؤه مع القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، تُعد زيارة تاريخية تمثل تحولاً مهماً في العلاقة بين البلدين. هذه العلاقة التي اتسمت بالتوتر وعدم اليقين خلال حكم عائلة الأسد، لا سيما إبان الثورة السورية. وقد ألقى هذا التوتر بظلاله على الأردن، سواء من خلال عبء اللاجئين السوريين الذين تدفقوا إلى أراضيه، أو المخاوف الأمنية، أو محاولات النظام السابق تهريب المخدرات عبر الحدود الشمالية. فجاء القرار الأردني ببناء علاقة مستقرة تقوم على التعاون المشترك، ليعكس رؤية مستقبلية تسعى إلى تعزيز الاستقرار.

زيارة الأردن إلى سوريا تحمل رسالة تطمينية واضحة مفادها أن الأردن يسعى إلى ضمان استقرار سوريا ووحدة أراضيها. كما أنها تأتي ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وتدعيم العلاقات العربية-العربية.

الأردن أيضاً يسعى إلى توسيع أفق التعاون الاقتصادي بين البلدين، من خلال إدخال المساعدات الإنسانية عبر أراضيه، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر الحدود الأردنية، بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات اقتصادية تُسهم في تحقيق المنفعة المشتركة وتعزيز التكامل بين الطرفين.

في هذه الزيارة، رسالة للمجتمع الدولي بأن دول المنطقة قادرة على تجاوز أزماتها وحل مشكلاتها بنفسها، دون الحاجة إلى تدخلات خارجية.

بالنسبة لسوريا، تُعد زيارة الأردن، كواحدة من أهم الدول المؤثرة في المنطقة، اعترافاً بخيارات الشعب السوري. كما تفتح المجال أمام زيارات من دول عربية شقيقة أخرى، مما يُسهم في إعادة بناء علاقاتها مع العالم العربي بعد سنوات من العزلة. هذه الزيارة تمهد لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، مما يعزز فرص إعادة الإعمار والاستقرار.

لا تقتصر أهمية هذه الزيارة على العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا، بل تمتد إلى التأثير على الصورة الأشمل للمنطقة. فهي تأتي في وقت تعيد فيه الدول العربية تقييم مواقفها تجاه سوريا، مما يجعلها حجر أساس لإعادة التطبيع الكامل بين سوريا والدول العربية. كما توفر فرصة لحوار أوسع حول قضايا إقليمية جوهرية، مثل الأمن، القضية الفلسطينية، والبنية التحتية.

رغم أنها تُعد قفزة دبلوماسية واعدة، إلا أن نجاح هذه الخطوة يبقى مرهوناً بالأوضاع الداخلية في سوريا ومستقبل الاستقرار فيها. فالقدرة على تجاوز التحديات الداخلية وتحقيق الاستقرار ستحدد مدى نجاح هذه العلاقة وأثرها على المنطقة.

إذا تحقق الاستقرار المنشود في سوريا – بإذن الله – بدعم الأردن، فإن ذلك سيترك آثاراً إيجابية واسعة على المنطقة بأسرها. وسيُمهّد الطريق لتعاون عربي أشمل يعود بالفائدة على الشعبين الشقيقين وعلى شعوب المنطقة، مما يُسهم في تعزيز التكامل والتنمية المشتركة.