العلاقة الاردنية السورية بين الامس واليوم وبعد.
د محمد العزة
الكتابة حول العلاقة الأردنية السورية ، لا شك أنها تستحق مقدمة تاريخية بحجم اهميتها و عمقها و القواسم المشتركة بينهما دون المرور على ما عكر صفوها سابقا و هو أصغر و أقل بكثير مما جمعهما و يجمعهما .
فأذا ما ناقشنا العلاقة الأردنية السورية من أبعادها الثلاث الجغرافية و الديمغرافية و السياسية ، فأن اول ما يتبادر إلى ذهننا في وعينا العربي هو الانتماء الجغرافي لحاضنة بلاد الشام و حضارتها و ثقافتها التي تضم ( فلسطين، لبنان ، سوريا ، الاردن ) ، وهي الحاضنة التي اوجدت رابطة النسب في القربى و اخوة التراب في القرى و قربها من بعضها اذا ما ازلنا الفواصل الحدودية و السواتر الترابية بينهما ، و هو نفس الحال ما بين الاردن و فلسطين و لعل اجمل من وصف العلاقة الجغرافية بينهما رمضان الرواشدة في روايته ( النهر لن يفصلني عنك) ، و لهذا لن يكون غريبا تشابه التقاليد والعادات و اسماء العائلات خاصة من على حدها الجنوبي والغربي وهذه قراءة لزاوية العلاقة من بعدها الديمغرافي .
بما يخص البعد السياسي ، لطالما كانت بلاد الشام قلب العروبة النابض و مهد الوحدة القومية العربية ، ومن سوريا و الاردن انطلقت حركة التحرر التي انهت الحكم التركي الذي أضعف و انهك الأمة حروبا و محاورا و ادخلها انفاق التنكيل و التجهيل و تركها عربان عرضة لقمة سائغة لمخطط الطغيان في ذلك الزمان ، ذلك المخطط الذي قضى على حلم المملكة العربية الكبرى ثم المملكة الفيصلية فيها ، لاحقا استقبلت المملكة الأردنية الهاشمية ثوار سوريا ضد المستعمر الفرنسي ، الذين صاروا جزءا من هيكلها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي انطلاقا من هوية فكر الاردن العروبي القومي .
وحتى الامس القريب و رغم التحولات و التغيرات التي شهدتها سوريا من عهد الاستقلال و الانتقال من الملكية إلى الجمهورية ، سادت العلاقة الأخوية بين البلدين و حدودهما مفتوحة ومن على منفذين لا يحتاج اجتيازهما الا هوية .
اليوم و مع ما تشهده الشقيقة سوريا لا نعلم مدى تعافي حالة التضامن العربي، و انعكاسها على صفوف القوى السياسية الأردنية والعربية و اسهامها في حالة الانقسام حول كيفية تعامل الاردن و التقارب مع السلطة الجديدة في سوريا ، لكنه الاردن يخطو في تعامله مع المستجدات كما هو المعتاد و اعتاد و عرف عنه وموقفه من منظومة التنسيق العربي المشترك المنحاز للمحور العربي العربي وهنا اقصد الأغلبية(تحديدا السعودية،الإمارات ،العراق،مصر) وليس وفق ما يرى فيه مصلحته الآنية و تجسيد حالة اصطفاف المحاور الإقليمية ( القطري التركي ) ، وهذا ما يفسر الدعوة إلى اجتماع العقبة التنسيقي وسياسة التأني التي تضمن رؤية أفقية و التعامل مع اي متغير قد يعيد كل الحسابات و المصالح والأهداف و أطرافها التي نتمنى أن تكون و تبقى عربية عربية.
مقاربة الاردن مع السلطة الجديدة في دمشق اليوم التي دشنها وزير الخارجية الصفدي بزيارة، تتم على مبدأ أنه الأقرب لسوريا وهذا يوجب احترام السيادة الوطنية الأردنية السورية و العلاقة التاريخية بالإضافة إلى حسابات البروتوكولات الرسمية التي تحكم العلاقات بين الدول و إلى إبعاد القواسم المشتركة التي ذكرناها و المصلحة المتبادلة ، وهنا وجب أن يتبادر في ذهن و عقلية هذه السلطة الجديدة ، ضرورة الابتعاد عن حسابات الإقصاء أو المطالبة بتقديم إشارات الرجاء من الطرف الاردني مقابل تقديم حصص على هيئة مشاريع اقتصادية ، والأردن قدم الكثير دون مقابل و لا ينتظر سقوط اي دولة عربية لتقاسمها .
أمنياتنا عودة سيادة الدولة السورية لنفسها والانفكاك عن التبعية الخارجية والحرص على أن يكون القرار السوري السياسي مستقلا بما يخدم وحدة الوطن السوري العربي ، وانتهاج مسار مدنية الدولة و الحداثة و احترام التعددية السياسية و العرقية و الثقافية والالتزام بادوات الديمقراطية دستوريا في الانتقال الى السلطة المدنية سلميا .
الموقف الأردني من بداية الأزمة السورية كان واضحا لا احد يستطيع المزاودة عليه حيث تعامل معه عبر القنوات السياسية والأدوات الأمنية والدبلوماسية المناسبة التي فرضتها حيثيات الأحداث وكان لمركز صنع القرار السياسي والامني موقفا مشرفا ، عبر عنه الملك أن الأزمة السورية يجب أن لا تحل إلا عبر اطار العملية السياسية وأدواتها دون التدخل في شأنها و اشعالها.
ملف القضية السورية لا يتم ولا يجوز اختزاله بشخصية رمزية، بل بهوية النظام السياسي ، و نهح إدارته اليوم لدولته و مستقبلا بعيدا عن الاصطفافات والقراءات السطحية ، بل يجب البحث و ايجاد بنية تحتية تستوعب تداعيات التحولات السياسية في المنطقة ودول الجوار و اثارها في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي ، الذي يشهد تغيرات جيوسياسية لصالح الكيان ، الذي لم ولن يتردد في توجيه التهديدات تجاه سوريا و الدولة الأردنية و خاصة أنه أصبح على حدودنا الغربية و الشمالية ، دون ذلك فأنا نستبدل نظاما أيديولوجيا قوميا بأخر عقائديا دينيا يمتاز كلاهما بالشمولية .
نحتاج إلى وعي سياسي واسع البيكار يمكننا من قياس الخطوات وإقامة الحسابات المطلوبة والتوازنات التي على ضوئها تتخذ القرارات، وهذا ما يدعوا الدولة الأردنية بالتنسيق مع جميع أطراف اللعبة السياسية الفاعلة على الساحة السورية انطلاقا لمعرفة الأساس الذي تقتضيه المصلحة الوطنية العليا العامة الأردنية.
في سياق آخر يتعلق بالأمن القومي الوطني الاردني ، و هو تطورت الأحداث على حدود المملكة الأردنية الهاشمية الشمالية و تسارعها التي جاءت تغييرات فيها بالوضع الحدودي الراهن مع سوريا و الثكنة الإسرائيلية ، هنا يبرز سؤال حول اذا ما ذهبت الأمور لتغيرات جغرافية و تشكل وضع حدودي جديد يشكل خطرا على الأمن القومي الاردني و خاصة مع التدخل العسكري الاسرائيلي ، و ما يمثله الجنوب السوري من عمق جغرافي استراتيجي لنا ، هل نتوقع أن يكون هناك تحركات احترازية وقائية و ايجاد منطقة عازلة تضمن ابعاد نقاط التماس المباشر مع الكيان الصهيوني أو أفراد مليشيات متطرفة في حالة لم تتوفر القدرة لدى الإدارة الجديدة للدولة السورية إمكانية ضبط حدودها وهذا لا يعني عدم التأكيد على الموقف الأردني الرسمي المتمثل بضرورة و أهمية التمسك بوحدة اراضي سوريا و سيادة ترابها الوطني وان يظل الحل داخليا سياسيا سوريا عربيا .