وجوه وأماكن الأيام الأخيرة
بشار جرار
ليس الحديث عن الأزمنة الأخيرة ما قبل اليوم الآخر، وإنما تلك التي نستعد فيها لعام جديد. الأيام الأخيرة مما تبقى من 2024 تفوق في إثارتها وتسارعها ما تضمنته أفلام وبرامج ومسلسلات -منها مسلسل سوري- حمل الاسم التجاري عينه، «وجوه وأماكن»!
من كان ليتخيل أن تظهر الصحافة العالمية صورة حاكم سوريا بالأمر الواقع، أبو محمد الجولاني سابقا، أحمد الشرع من داخل القصر الجمهوري في دمشق.
من كان ليتصور في أحلام اليقظة أن يصير وزير خارجية سورية الجديدة أسعد الشيباني.
مهندس زراعي صار وزيرا للدفاع استنادا إلى قيادته عمليات في إدلب التي كانت إحدى مناطق «خفض التصعيد».
وقبل أيام من عيد الميلاد المجيد، وعلى وقع ما يشهده عدد من المحافظات السورية الحدودية من أحداث مثيرة لا يحظى إلا القليل منها بالتغطية الإعلامية المستحقة، تداهمنا العواجل مع «وجوه وأماكن» بعيدة لكنها على صلة بملف سورية و»الربيع العربي» اللعين بنسخته اليتيمة و»الفوضى الخلاقة» التي اكتوى الجميع بنارها.
عملية إرهابية خلّفت عشرات القتلى والجرحى يقترفها «لاجئ» سعودي منحته ألمانيا حق اللجوء فالإقامة الدائمة على أعتاب الحصول على الجنسية الألمانية قبل اندلاع ذلك «الربيع العربي» بخمس سنوات. زعم الإرهابي وهو طبيب نفسي أتم الخمسين من عمره الذي سيقضي ما تبقى منه في السجن لإلغاء عقوبة الإعدام في ألمانيا بنص دستوري، زعم أنه يعاني الاضطهاد كإنسان «لا دينيّ» ينحدر من أسرة شيعية، وتلك من الثغرات القانونية التي يتم تركها فضفاضة عن سابق قصد وترصد بحسن أو سوء نية من قبل المتلاعبين بما يظنوها أوراق ضغط على النظم بما فيها الحليفة.
بحسب «دير شبيغل»، حذرت السعودية ألمانيا ثلاث مرات من حقيقة المجرم ونواياه الإرهابية، كما قامت مواطنة سعودية في ألمانيا بالتبليغ عن توجهاته العنيفة والتي عبّر عنها لاحقا، بعد تناوله جرعة من السموم المسماة المخدرات، لتنفيذ عملية القتل العشوائي الجماعي عبر الدهس بحافلة قام باستئجارها خصيصا لهذه الغاية في سوق شعبية مفتوحة كعشرات الأسواق الشعبية في ألمانيا وأوروبا والعالم كله، بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة المباركة بعون الله، على الجميع بمن فيهم كارهو الحياة دعاة الموت.
خلاصة ما رأيناه في بضع ساعات من سورية وألمانيا التي تحوي أكبر عدد من المهاجرين واللاجئين السوريين في الغرب والثانية بعد تركيا، أن معايير التجنيس والإقامة واللجوء وحتى مجرد المرور ترانزيت، لا تقل بؤسا عن معايير تصنيف الإرهاب ومعايير وأدوات وفلسفة مكافحته.
من أبلغ ما قيل في التنديد في إرهاب الدهس للمحتفلين الفرحين المتهللين ببشائر الميلاد المجيد، ما غرد به إيلون ماسك الغني عن التعريف لعدم تبدل اسمه على الأقل، إن الذين رفضوا الاستماع لتحذيرات السعودية من مسؤولي الأمن الألمان يجب أن يتلقوا «عقابا شديدا».
دون التشهير بأحد، انظر في لائحة أسماء من يسمون معارضي الخارج، دقق في أسباب حصولهم على الجنسية أو اللجوء، انظر في سيرهم الذاتية، ف ي أسباب خروجهم من بلادهم، ترى العجب العجاب! بعض تلك التفاصيل مخزية لا تذكر إلا بمجالس مغلقة أو من قبل متحدثين مخولين بفضح أولئك الخونة. من خان وطنه لا يؤتمن على بلاد آوته ولو لعقود.
مع بداية عام جديد، قد يكون من الضروري تطبيق ما وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى التدقيق الأمني المشدد «إكسترييم فِتِنْغ». إعادة التدوير والتأهيل لا تنفع، ومن أكبر الأدلة على ذلك استضافة الرئيس الأيقوني الجمهوري الراحل رونالد ريغان من سماهم «المجاهدين الأفغان» في البيت الأبيض، لتبتلي بلاد العم سام والغرب والشرق الأوسط بويلات «أمراء الحرب» الذين جعلوا من الساحة السوفيتية الخلفية سابقا وكرا ومرتعا للإرهاب العالمي والاتجار بالمخدرات والبشر.
الجوار أحق الأطراف الدولية في اتخاذ ما يلزم بالتحقق من نوايا جيرانها الحقيقية، سيما من كانت «التقية» ديدنها من تنظيمات أو شخصيات يسمونها الآن «براغماتية»، بعد التقاط صور تذكارية كما في أفلام «وجوه وأماكن»! الله نسأل ألا تصبح تلك الصور من الأرشيف المتكرر في أحداث مقبلة.