في مواجهة الواقع الجديد

فيصل الشبول 

بدعمٍ غربيٍّ لا محدود، تسليحًا وتمويلًا، وبغطاء «قانوني» عنوانه الإغماض عن الشرعية الدولية والقرارات الأممية، تواصل إسرائيل أبشع الجرائم ضد الإنسانية في المنطقة. ها هي تحتل مزيدًا من الأراضي السورية أيضًا.

 بانتظار الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، تكرّس إسرائيل الاحتلال واقعًا جديدًا في المنطقة، على اعتبار أن «مساحة إسرائيل صغيرة»، وفقًا للرئيس المنتخب.

 في التاريخ، لم يبقَ من الأسوار والجدران سوى سور الصين العظيم، الذي بات هو الآخر معلمًا سياحيًا.

 دورة التاريخ تعطي الغرب أفضلية الغطرسة والقوة، لكن منطق القوة لم يَدُمْ لأي أمة عبر التاريخ. الغرب ليس ملةً واحدةً أيضًا.
 تعتزم العقلية الإسرائيلية المتطرفة إحاطة «دولتها» بالجدران والأسوار، غير أن العقلية ذاتها تريد أن تبني سلامًا «وعلاقات طبيعية» مع الجيران. كل ذلك مبنيٌّ على عقلية السيطرة بالقوة على المنطقة، وهو أمرٌ واقعيٌّ إلى حدٍّ بعيدٍ في هذه الأيام، وعلى الخوف مما وراء الجدران مستقبلًا.

 تزرع إسرائيل بذور الحقد والكراهية والثأر. تقتل وتدمّر وتتجاوز كل القوانين الدولية والإنسانية، وتريد في الوقت ذاته أن تحصد الأمن والاستقرار.

 هو مفهوم الأمن الإسرائيلي كما يراه متطرفوها الذين يتصدرون المشهد اليوم: أمنٌ داخل الأسوار والجدران، وقتلٌ ودمارٌ خارجها، وسلامٌ مع الفوضى.

 ثمة من يروّجون لفكرة الخوف لدى الأردنيين في قادم الأيام بسبب التطورات الكارثية في المنطقة، بدءًا من السابع من أكتوبر 2023 وحتى سقوط النظام السوري السابق.

 وثمة من ينصحون الأردن بأن يهتم بشؤونه ويترك شؤون الآخرين في المنطقة.

 سنقولها بوضوح: إن الأردن دولة نشأت على فكرة لن تموت بتغير أحوال العرب. ما زلنا نؤمن بوحدة الدم واللغة والمصير. نؤمن كذلك برسالةٍ سماويةٍ لا مجال فيها لكل هذا التشظي الذي أوصلنا إلى الضعف والفرقة.

 لم تكن مسيرة مئة عام من عمر الدولة بلا أخطاء، لكننا لم نقع في المحظور الذي غرقت فيه دولٌ شقيقةٌ خسرت مقدراتها وأمنها واستقرارها.

 الربيع العربي أثبت أن الأردن دولةٌ قويةٌ متماسكةٌ، وأن العلاقة بين القيادة والشعب أكبر من كل التحديات.

 أما مواقف الأردن، فالفلسطينيون ليسوا آخرين، وقضية فلسطين ليست وجهة نظرٍ تقنعنا حينًا ونتركها حينًا آخر.

 نحن والفلسطينيون، كل الأردنيين وكل الفلسطينيين، في أرض فلسطين وفي المهجر وحتى في الداخل الفلسطيني، نفهم لغة اليمين المتطرف في إسرائيل، ولغة المتطرفين في الغرب أيضًا.

 يستطيعون العبث معنا، لكنهم لن يكسروا إرادتنا المشتركة. القضية، باختصار، هي حقٌّ تاريخيٌّ وشرعيٌّ للأشقاء الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.

 تتغير موازين القوى شرقًا وغربًا، ودورات التاريخ لم ترحم الطغاة حول العالم ولن ترحمهم في المستقبل.

 ها هم قادة الاحتلال يعتزمون بناء جدارٍ بيننا وبينهم، ولكن مرةً أخرى في أراضٍ ليست لهم وفقًا لأي قرارٍ أو تسوية، أي في الأغوار الفلسطينية.