العاصمة الإدارية الجديدة في الأردن.
د. أمجد عودة الشباطات.
في الآونة الأخيرة، أكدت الحكومة الأردنية التزامها بمشروع إنشاء مدينة جديدة بالقرب من عمّان والزرقاء، بهدف تخفيف الضغط السكاني عن العاصمة، وقد أشار دولة رئيس الوزراء جعفر حسّان إلى أهمية بناء هذه المدينة لتوفير خدمات أفضل وبنية تحتية متطورة، مما يسهم في تقليل الأزمات المرورية وتكاليف السكن والمعيشة.
هنا أطرح التساؤل التالي : هل إنشاء عاصمة جديدة هو الحل الأمثل، أم أن تنمية المحافظات، وخصوصًا الجنوبية، ستكون أكثر فاعلية وجدوى؟
إن تكلفة بناء العاصمة الإدارية الجديدة تقدر بمليارات الدنانير. ومتوقع أن تساهم الحكومة بجزء من هذا المبلغ والذي سيضيف بلا شك عبئًا على الاقتصاد الوطني الذي يعاني بالفعل من مديونية تجاوزت 38 مليار دينار، كما أن هذه الأموال والجهد و الوقت من الممكن استثمارها في مشروعات أكثر أولوية، تُسهم في تحفيز الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى معيشة المواطنين في مختلف المناطق.
محافظات الجنوب، والتي يقطنها 8% فقط من سكان الأردن ، رغم ما تحتويه من موارد طبيعية وإمكانات سياحية وصناعية. هذه المناطق تملك ثروات مهمة، محافظة الطفيلة مثلا غنية بالفوسفات، والنحاس، والسيليكا، والمنغنيز، والمياه المعدنية، والطاقة المتجددة، والزراعة، والسياحة البيئية المتنوعة.ولا ننسى المناطق السياحية المهمة كالبتراء ووادي رم والعقبة. ونفس الشيء ينطبق على باقي المحافظات. إن توجيه الاستثمارات نحو هذه المحافظات لن يسهم فقط في خلق فرص عمل جديدة وتقليل البطالة، بل سيحقق نوعًا من العدالة التنموية التي يحتاجها الأردن بشدة وتحسين التوزيع الديمغرافي والذي سيكون له اثار مباشرة للتخفيف من الازدحام والضغط على البنية التحتية في العاصمة والمدن الكبيرة.
تجارب الدول الأخرى تدعم هذا النهج. في ألمانيا مثلا لم تقتصر التنمية على العاصمة برلين، بل جرى تطوير مدن أخرى مثل ميونخ وفرانكفورت، مما ساهم في خلق اقتصاد متوازن ومتنوع، وكوريا الجنوبية أيضًا اتبعت نفس الاستراتيجية، حيث قامت بتطوير مدن صناعية وتجارية خارج العاصمة سيؤول، مما ساعد على جذب الاستثمارات وتوزيع الثروة بشكل أكثر توازنًا.
إن تنمية المحافظات، لا تقتصر فقط على تحسين البنية التحتية والخدمات، بل تعني أيضًا تطوير مشاريع متخصصة تتناسب مع طبيعة وموارد كل منطقة. معان، على سبيل المثال، يمكن أن تصبح مركزًا للصناعات التعدينية، بينما العقبة لديها كل المقومات لتكون مركزًا للسياحة البحرية والتجارة، والطفيلة يمكن أن تتميز بالزراعة والسياحة البيئية. هذه الخطوات ستجعل من كل محافظة نقطة جذب للاستثمارات، وتُخفف من الضغط على العاصمة.
من جهة أخرى، تنمية هذه المحافظات ستُسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ويُقلل من الهجرة الداخلية نحو عمّان، مما يخفف الضغط على بنيتها التحتية.
إن بناء عاصمة إدارية جديدة، رغم ما قد يبدو فيه من فوائد، يُعتبر مشروعًا مُكلفًا ومحفوفًا بالمخاطر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية ، بينما تنمية المحافظات خيار واقعي وأكثر إلحاحًا. بإعتقادي إن توجيه الاستثمارات نحو المحافظات الجنوبية سيحقق فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية تفوق بكثير أي مكاسب محتملة من بناء عاصمة جديدة.
في نهاية المطاف، العدالة التنموية ليست رفاهية، بل هي ضرورة وطنية، و بناء عاصمة جديدة قد يبدو مشروعًا طموحًا، لكنه قد يتحول إلى عبء إضافي، بينما تنمية الجنوب والمحافظات الأخرى ستُثمر نتائج ملموسة يشعر بها كل مواطن. الأردن بحاجة إلى قرارات جريئة تضع الناس أولًا، وتُعيد رسم خريطة التنمية لتشمل كل شبر من هذا الوطن.