ما أحوجنا الى ثورة عربية كبرى تعيد للعرب مكانتهم
المهندس مدحت الخطيب
بعد أن ضعفت الدولة العثمانية وكثر شاكوها وقلّ حامدوها اجتمع الكثير من شيوخ وقادة الأمة العربية على فكرة الشريف الحسين بن علي صانع الثورة العربية الكبرى والتي كان من أهدافها تحرير الأرض والإنسان، وتحقيق الدولة العربية المستقلة، وإعادة السيادة العربية دون إذلال أو انكسار وإحياء القومية العربية الأصيلة التي يتطلع اليها أحرار الأمة.
انطلقت شرارة الثورة العربية بكل قوة واقتدار من أجل بناء دولة عربية واحدة موحدة، تنقل العرب من عصر الضعف والتمزق والتبعية إلى الارتقاء الحضاري والاستقلال الذاتي، وخصوصا بعد أن تكون انطباع عام لدى العرب معادٍ لسياسة القادة العثمانيين، نتيجة للسياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي تمثلت بالتجنيد الإجباري لكل من يحمل السلاح من ابناء العرب وزجهم بحرب «لا ناقة للعرب فيها ولا جمل»، والأخطر من ذلك مصادرة الأملاك والأرزاق والخيرات للبلاد العربية،
كل ذلك أشعل فتيل الثورة وزاد من وهجها حتى جَاءَتْ مجاعة 1915 فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والأشد من ذلك السياسة القمعية لجمال باشا، الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية، إلى جانب تراكمات العَلاقة المعقدة بين العرب والأتراك منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى مؤتمر باريس عام 1913.
قد يتعجب البعض حين يعلم أن أول من تحدث وخطط، بصورة رسمية، حول ضرورة وجود كيان سياسي يجمع الدول العربية في عام 1941، هو أنتونى إيدن، وزير الخارجية البريطاني الأسبق بشرط أن لا يكون هذه الكيان كما أراد له الشريف الحسين أن يكون وهذا دليل على تخوف الغرب من وجود كيان عربي مستقل جامع حقيقي لأبناء أمتنا العربية، فاطلقو العنان الى ادواتهم في المنطقة لافشال أهداف الثورة العربية الكبرى والبحث عن خطة اخرى توهمنا بالوحدة والاتحاد يتم تفصيلها على مقاساتهم لا على القياس الذي ينشده أحرار العرب ..
اليوم وبعد هذا كله دخلت أمتنا العربية في فوج جديد من تقسيم المقسم وعادت كثير من الدول لإحياء أطماعها في نهب ما تبقى من خيرات ومقدرات وطننا العربي، ما حدث في سوريا ومن قبله ما حدث في العراق واليمن وليبيا وتونس ولبنان ما هو الا دليل على استنساخ للاستعمار القديم بثوب جديد ولكن هذه المره بأيدٍ قد تكون عربية للأسف الشديد ..
قبل أيام سقط نظام ال الأسد والذي حكم سوريا مدة خمسين عاما بالنار والحديد والتخويف والقتل والاعتقال، ودخل لاعب جديد على المسرح وهو ابو محمد الجولاني والذي كان حتى وقت قريب من المطلوبين إلى الدول الكبرى لا بل وضع على لوائح الإرهاب ورصدت الملايين لمن يقودهم اليه، فوقعنا جميعا في حَيْرَة من أمرنا حتى الحليم فينا اصبح حيران ويقول هل الجولاني محرر ام مدمر .. وما الذي تغير فيه حتى يصبح له هذا القبول والدعم من العالم أجمع؟
نعم قد يقول قائل نجد نهجا جديدا في سوريا بقيادة الجولاني لا يكرر المشهد الليبي والعراقي واليمني وكلنا يرجو ذلك وندعو الله ان يكون، ولكن ما تخفيه الأيام هو الأخطر وخصوصا أن سوريا وموقعها الجيوسياسي وما رسم لها من الدول المتصارعة عليها إقليميًا ودوليًا كل حسب رغباته، جعلت كل الأعين تخاف عليها من قادم الايام، بالفعل قد بدأ الصراع فعليا عليها منذ سقوط الأسد حتى وان لم يظهر للعيان، لهذا ندعو الله أن يوفق الأشقاء السوريين في حماية دولتهم وان يسخر لهم من يقودهم إلى بر الامان، وان تتركهم الدول المتصارعة علهم يلتقطون انفاسهم ويضمدون جراحهم بعد ان مزقتهم الحروب والصراعات.