الشرق الأوسط الجديد

إسماعيل الشريف


قبل عام قلت إننا سنغير الشرق الأوسط، ونحن نغيره بالفعل – نتن ياهو.

في 25 أيار عام 1990، وأثناء اجتماع لمجلس الأمن، تحدث المرحوم أبو عمار شاهرا العملة الصهيونية من فئة العشر أغورات التي تحمل خريطة «إسرائيل الكبرى». قائلًا إنها ترمز إلى رؤية الكيان لما يُسمى «حدود أرض الميعاد».

لم يكن حديث عرفات آنذاك شعبويًا، بل استند إلى بحث أعدّته الباحثة جوين رولي من جامعة شيفيلد البريطانية بعنوان «تقييم موجز: تطور الرؤى حول حدود أراضي إسرائيل». وأشارت رولي في بحثها إلى أن تصميم عملة العشر أغورات يُظهر خريطة يمكن تفسيرها على أنها تشمل مناطق في لبنان، والأردن، وسوريا، والسعودية.

هذه الخريطة نُقِشت على أول عملة أصدرها البنك المركزي الصهيوني عام 1948، بعد تأسيس الكيان المحتل على أجزاء من فلسطين. كما أنها تتصدر مدخل الكنيست حتى اليوم.

يشعر الصهاينة هذه الأيام بنشوة «النصر العسكري»، إذ تمكنوا من إضعاف القدرات العسكرية لحماس وحصلوا على تنازلات مهمة، أبرزها موافقتها على عدم إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الإبادة الجماعية. كما أنهم قد يضمون الضفة الغربية في أي وقت.

في الوقت ذاته، أُضعِفت قدرات حزب الله، ومن المتوقع انسحابه إلى ما وراء نهر الليطاني. وفور هروب الأسد من سوريا، نفّذت قوات الاحتلال أكثر من 400 طلعة جوية دمّرت خلالها نحو 80% من القدرات العسكرية السورية، واحتلت جبل الشيخ بالكامل، كما توغلت في مناطق جنوب غرب سوريا. ولم تكتفِ بذلك، بل أعلنت عن بناء مستوطنات جديدة في هضبة الجولان المحتلة.

الساحة الآن جاهزة للانتقال إلى الخطوة القادمة، وهي ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما يصرّح به القادة الصهاينة علنًا. ويبدو أنهم قد حصلوا على الضوء الأخضر من ترامب قبل دخوله إلى البيت الأبيض. من المتوقع أن يعقب ذلك إطلاق مفاوضات مع إيران على أنقاض برنامجها النووي المُدمَّر وهي في أضعف حالاتها.

ويستطيع الطيران الصهيوني الآن التحليق بحرية تامة فوق الأجواء السورية دون التعرض لأي خطر، سواء من سوريا أو روسيا، كما بات بإمكانه الوصول إلى قلب إيران لتوجيه ضربات موجعة.

وبالطبع، لن تتمكن إيران من الرد، إذ إن حلفاءها في أوضاع لا تسمح بذلك. وإن قررت طهران الرد، فستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. وفي أقل تقدير، ستتولى الدفاعات الصاروخية الأمريكية التصدي لأي صواريخ إيرانية تُطلق باتجاه فلسطين المحتلة.

وتتزامن التصريحات الهجومية للصهاينة مع تصريحات إيرانية دفاعية. ففي 14 كانون الأول الجاري، أعلن محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، أن إيران ستسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى مواقعها النووية وتفتيشها دون عوائق. كما قرأتُ تقريرًا قبل أيام يشير إلى موافقة إيران على فرض رقابة أكثر صرامة على موقع فوردو النووي الهام.

وبعد أن يوجّه الكيان ضربته لإيران، سيصبح «شرطي المنطقة» والقوة الوحيدة المسيطرة فيها. لن يتمكن حزب الله من القيام بأي شيء قريبًا، فالسلطة انتقلت إلى الجيش اللبناني، وأي رد من حزب الله سيعني دخول الجيش اللبناني والدولة اللبنانية في مواجهة مباشرة مع الكيان، مما قد يؤدي إلى احتلال جنوب لبنان.

إضافة إلى ذلك، أصبحت الطريق سالكة أمام الكيان للدخول إلى دمشق، إذ إنه يراقب المشهد عن كثب، وقد يتخذ أي حجة لاحتلال مناطق إضافية في سوريا.

فالمنطقة تشهد بداية مرحلة جديدة عنوانها توسيع حدود الدولة اللقيطة. وأعتقد أن هذا أصبح واضحًا لدول المنطقة، التي بدأت بالفعل بالاستعداد لهذه المرحلة والتصرف على هذا الأساس.

وهنا يبرز سؤال مهم: هل يريد الغرب أن يرى الصهاينة بهذه القوة، يتحكمون ويعربدون في المنطقة بما قد يؤثر على مصالحه نتيجة تحكم التطرف في قراراتهم السياسية؟ وإذا قبل الغرب بذلك، فهل ستقبل القوى العالمية الأخرى بهذا النفوذ الصهيوني المتصاعد؟

أعتقد أن الإجابة هي «لا»، ودليلي على ذلك أن حاملة طائرات صينية في طريقها إلى المنطقة.

قد لا يكون كل ما يجري شرًا كاملًا، فثمة ضوء في وسط هذا الظلام.