سوريا التي في خاطري !

رشاد ابو داود

كنا نمر مسرعين من الشارع المتفرع من الجسر الأبيض الى السبع بحرات. قيل لنا انه في هذه البناية يسكن حافظ الأسد وزير الدفاع، عن سنة 1968 – 1969 أتحدث وهي السنة الأولى لنا في جامعة دمشق. أمام البناية كشك خشبي فيه حارس مسلح أو حارسان، كما بيوت كل المسؤولين السوريين آنذاك.

صبيحة 16 تشرين الثاني من العام 1970 صحونا على البيان رقم واحد للانقلاب العسكري على حكومة نور الدين الأتاسي وصلاح جديد. قاد الانقلاب الذي سمي « الحركة التصحيحية « حافظ الأسد وزير الدفاع ومصطفى طلاس رئيس الأركان واللواء اسكندر سلامة وكثير من ضباط الجيش.

في سوريا لم يكن أي انقلاب يحتاج الا الى خمس دبابات، اثنتان تحتل الاذاعة واثنتان مقر الرئاسة واعتقال القيادة وواحدة احتياط. وهذا هو حال الانقلابات التي لم تتوقف منذ جلاء الاستعمار الفرنسي عن سوريا العام 1946. لم يكن يبرد على الكرسي انقلاب حتى يتلوه انقلاب لدرجة أن سعيد اسحق الذي كان نائباً لرئيس البرلمان تولى الرئاسة لمدة أربع وعشرين ساعة بعد استقالة هاشم الأتاسي في 1951 وذلك وفقاً للدستور.

في انقلاب 1970 تم تعيين أحمد الخطيب رئيساً للجمهورية لفترة قصيرة الى أن تسلم الأسد رئاسة الجمهورية. وبقي حتى وفاته العام 2000 ليتسلم الحكم ابنه بشار وتصبح الدولة «جمهورية وراثية «.

كطلبة لسنا بعثيين ولا عبثيين في نفس الوقت فقد كنا من جيل عهد عبد الناصر والوحدة العربية. وما كان يهمنا هو الدراسة وليس السياسة. لم نهتم بمن انقلب على من. لكننا لاحظنا منذ البداية أن طلبة في الجامعة صاروا يتجولون في ممرات كلية الآداب بالمزة كمجموعات منتشين مزهوين يتحدثون بصوت عال خاصة حرف القاف.

فجأة رأينا جنود سرايا الدفاع التي اسسسها رفعت الأسد يجوبون بكثافة شارع الصالحية وهو الشارع الذي كان الأجمل والأكثر حيوية في دمشق وفي سوق الحميدية ومعظم مناطق الشام و... لمسنا تغير طعم الشام.

منذ تخرجي من الجامعة 1974 لم أزر سوريا سوى مرة واحدة ضمن وفد صحفي أردني العام 2005. كان مبعث التخوف بسبب عملي في الصحافة. فقد كانت دمشق حساسة تجاه أي كلمة تكتب. وعليك كصحفي أن تراجع مكتباً خاصاً بالاعلاميين فور الدخول.

طبعاً لم نكن نعلم ولم تكن تُنشر الأخبار التي كشف عنها سجن صيدنايا وغيرها من سجون دمشق والمحافظات.

للنظام السابق ما له وما عليه أكثر، خاصة لجهة الاعتقالات والتعذيب والتحالفات الخاطئة والأهم هجرة 12 مليون سوري في انحاء العالم، وأخيراً وليس آخراً هروب رأس النظام من دون ابلاغ حتى أقرب المقربين اليه.

الحديث عن حالة متحركة والحكم عليها لا يكون ثابتاً ودقيقاً الا عندما « يذوب الثلج ويبان المرج». فقد فاجأت «هيئة تحرير الشام « وسرعة سيطرتها على سوريا والنظام السوريين والعرب والعالم ما عدا من كان ضالعاً وممو لاً ومشاركاً في التخطيط الذي أعد له منذ شهور، حسب قول مسؤولي النظام الجديد.

كل ما ظهر حتى الآن احتلال اسرائيل للمنطقة العازلة وجبل الشيخ الاستراتيجي وقرى القنيطرة وما بعد المنطقة العازلة بموجب اتفاق الهدنة العام 1974 ليصل جيش الاحتلال على مسافة عشرين أو ثلاثين كيلو متراً من العاصمة دمشق حسب ما تتداوله الأخباروتدمير ما تبقى من جيش وأسلحة وطائرات ومعدات عسكرية.

ثاني المظاهر التبني التركي الكامل سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً للثورة السورية.

المظهر الثالث التحول الأميركي حيال هيئة تحرير الشام وقائدها ابو محمد الجولاني من «ارهابي مطلوب « حسب التصنيف الأميركي الى « رئيس دولة «.

سوريا الجديدة في مرحلة الولادة. ما نتمناه أن تكون سورية عربية خالصة، واحدة موحدة، شعب واحد وجيش موحد، من دون تدخلات أجنبية.