بعض التفاصيل فيها القول الفصل

بشار جرار

ما قيمة الطبيب الجراح إن كان هو أو طبيب التخدير أو ممرض الإفاقة لم يحافظوا على حياة المريض؟ ما قيمة الرعاية والدعاية إن لم يخرج المريض في أحسن حال، أقله وقف خطر المرض أو تخفيف حدة أعراضه؟ ما قيمة قسم العلاقات العامة في مستشفيات القطاع العام أوالخاص إن لم تكن المكالمة أو اللقاء مع أهل المريض لغايات تقديم التهنئة بنجاح العملية والتبريكات بالشفاء التام والعاجل، بصرف النظر عمن يدفع فاتورة العلاج من جيب المريض أو أهله الخاص أو تأمينه الصحي، حكوميا كان أم أهليا.

في إدارة المستشفيات وهيئات ذات صلة بأي نشاط خدمي للناس كافة وليس المواطنين فقط وبينهم مستثمرون إقليميون أو دوليون، ليس بالضرورة أن يكون المدير طبيبا عارفا بكل تفاصيل الجراحة والتخدير والتمريض والعلاج الطبيعي، لكنه بحكم موقعه القيادي مسؤول مسؤولية تضامنية تامة ووظيفية -سياسية وقانونية وأخلاقية- قبلها وبعدها، مسؤول عن كل شاردة وواردة، فهو المكلف مهما علت تراتبيته الإدارية باختيار الفريق القادر على إدارة تفاصيل التفاصيل، حتى يكون وهو في الميدان أو داخل مكتبه أو خارج أوقات العمل الرسمي مرتاح الضمير هانئ البال بأنه قد ترك خلفه قيادات عليا ووسطى مؤتمنة على تسيير الأمور بكل تفاصيلها، أو كما هو الأصح لغويا بالتفاصيل كلها أو كافة، بمعنى تكفي السائل عن السؤال والمساءلة.

كل دارس لعلوم الإدارة عارف بفنونها، كل من خدم في سلمها الحكومي أو الأهلي يعلم الفرق بين «ماكرو ومايكرو مَنِجْمِنت»، لكن الأمر لا يعفي من هو مسؤول عن المشهد كله أو الصورة بكامل أبعادها، لا يعفيه عن إدامة، متابعة -عن بعد أو قرب- أو حتى ملاحقة ما قد يكون مخالفا لتوجه عام قد لا يكون واضحا بكل تفاصيله إلا لمن امتلك الرؤية الشاملة لخطاب تكليف سامٍ نالت الحكومة الثقة البرلمانية على أساس الالتزام به، أو لما هو أهم وأبقى، كتلك التوجهات الملكية السامية «العابرة للحكومات» ومنها استقطاب الاستثمار المحلي والخارجي. القضية في صميم أمننا الاقتصادي السياسي، فبه الاستقلال والاكتفاء والنماء الاقتصادي وبالتالي السيادة والمَنَعة لأردننا المفدى.

لا يعني الأمر أبدا امتلاك أي طرف كان للحقيقة كاملة، أو الزعم بحق احتكارها، لذلك حرصت مؤسسات الوطن الرقابية على توفير الأدوات الدستورية وبكل شفافية للجميع، حتى إن تردد طرف أو خالف أي قرار، أن يلجأ بكل احترام ومحبة وتقدير، لذوي الاختصاص وعبر القنوات الرسمية فقط، وبالتزام لا تَحفّظَ فيه، بالتحلي بأعلى درجات الكتمان، حرصا على تعزيز الثقة بمؤسساتنا وقياداتنا داخليا وخارجيا.

المنتمي والموالي لا يتعامل بمفاهيم مجردة بل مع أسماء وذوات لها مواقعها الوظيفية وأدوارها المترتبة عليها من حقوق وواجبات. من حق الرئيس والمرؤوس التنعّم بالشفافية التامة القائمة على الثقة التعاقدية. والعقد -كما يقال- «شريعة المتعاقدين»، شريعة بمعنى طريق وعهد، لا «مشارعة» كما يصف إخوتنا اللبنانيين الجدال والسجال لتسجيل أهداف شعبوية!

العمل الناجح لا ينتظم ولا ينضبط إلا ضمن الفريق الواحد. ولكل فريق قائد -تلك من سنن الخالق في خلقه- حتى نتمكن من إنجاز المهام ومراكمتها بما يسهل الطريق أمام من يخلف في تحمل المسؤولية، في تكاملية تترك الموقع العام أو الخاص بما «ينفع الناس، فيمكث في الأرض». لا يستصغرن أحد تفاصيل التفاصيل، ففي بعضها القول الفصل..