أحداث سوريا: بين المأساة الإنسانية والمخططات السياسية

الدكتورة هديل محمد القدسي

تعتبر الأحداث في سوريا واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العصر الحديث. فمنذ بداية النزاع في عام (2011)، عانت البلاد من دمار هائل وفقدان للأرواح، حيث خلفت الحرب الأهلية ملايين النازحين واللاجئين. ويزداد تعقيد هذه الأزمة نتيجة لتداخل عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية، مما ساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير.

في الأسبوعين الماضيين، شهدنا تطورًا كبيرًا في الأحداث السورية، بحيث أُعتبر الوضع في سوريا من بين الملفات الأكثر سخونة في المنطقة. فسوريا بأهميتها التاريخية والثقافية للعرب و المسلمين وأهميتها المعاصرة كدولة لها ثقلها السياسي والجيوسياسي والسكاني والعسكري تواجه اليوم توترات وأوضاعًا حرجة وصعبة للغاية وضعتها في بؤرة الاهتمام الإقليمي والدولي.

وفي خضم هذا الأوضاع والتوترات التي تشهدها الساحة السورية، تبقى المأساة الإنسانية في صميم الأحداث. فقد عانى الشعب السوري من الطبيعة الاستبدادية للنظام السابق الذي ارتكب جرائم القتل والتعذيب بحق شعبه، مما زاد من حدة الأزمات الإنسانية. فلا يمكن لأي إنسان إلا أن يدين هذه الممارسات بشكل قاطع، ويشجب جميع أفعال القتل والاعتقال والتعذيب التي حدثت في السجون السورية، والتي تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. فلكل الشعوب الحق في نيل حريتها، ليس فقط الشعب السوري، بل يجب أن تتمتع جميع الشعوب بحقوقها وحريتها واستقلالها الكامل، وأن تعيش بكرامة وأمان.

ومن ناحية أخرى، يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا التدخل الإسرائيلي الذي حدث بعد فترة قصيرة من سقوط النظام، إذ شنت إسرائيل (350) غارة على الأراضي السورية. كما دمرت (26) مطارًا عسكريًا و (2700) دبابة و (500) طائرة حربية، ودمرت جميع معامل الأسلحة الكيميائية والبرامج المتقدمة، ودمرت الأسطول الحربي بالكامل. ومجمل هذه الأرقام بتزايد، لأن الكيان ما زال مستمر في تنفيذ ضرباته العدوانية . وبدأ في اغتيال علماءها في ظروف غامضة. هذا التدخل يثير - بلا شك- العديد من التساؤلات حول مستقبل سوريا ودورها في المنطقة، ويعكس التوترات الجيوسياسية التي تحيط بها.

ان استهداف إسرائيل لمقدرات الدولة السورية وجيشها وتسليحها وعناصر قوتها هو في صميم الصراع الأوسع الذي لا يقتصر على فلسطين فقط، بل يمتد ليشمل الأمة العربية عموماً . إن هذا الاستهداف المنهجي يبرز نية الكيان الصهيوني في تقويض استقرار الدول العربية وتمزيقها إلى أجزاء صغيرة، وهو ما يعني حربًا مفتوحة بلا حدود. هذه الحرب ليست ضد شعب أو دولة بعينها، بل هي حرب ضد كرامة الأمة وطموحاتها في الاستقلال والحرية.إذ تشير هذه الأفعال إلى أن التحديات التي تواجهها الدول العربية ليست محصورة في النزاعات الإقليمية، بل هي جزء من صراع أكبر يسعى إلى إضعاف الهوية العربية وتمزيقها.

إن التدمير الذي ألحقه الكيان بسوريا ناتج عن خوفه من عودة سوريا إلى الساحة واستعادة دورها المؤثر . اذ يسعى الاحتلال إلى تدمير (أي) قوة عربية ونزع السلاح العربي بشكل كامل للسيطرة على المنطقة، مما يمنع أي دولة من امتلاك سلاح أو وجود عسكري. هذا الواقع يعكس الممارسات الصهيونية التي نعيشها اليوم. الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى نتنياهو لرسمه قد أصبح حقيقة واقعة، هذا ما أعلنه (بنيامين نتنياهو) جهاراً ونهاراً في خطابه بأن إسرائيل تشكل معالم المنطقة وتسعى إلى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية عبر تفكيك الدول العربية.

لقد غادر الأسد، لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا هذا القصف المستمر على سوريا؟ لماذا تتعرض البلاد لهذا التدمير؟ إن المخاوف لن تتوقف هنا، بل قد تمتد لتطال الدول العربية الأخرى، فقد تسير الأحداث في هذا الاتجاه.
ففي ظل التوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) إلى توسيع نفوذ بلاده على حساب الدول المجاورة، واحتلال منطقة جبل الشيخ وأجزاء من القنيطرة. لأن جبل الشيخ بإرتفاعه الشاهق يتيح لهم سيطرة عسكرية على ثلاث دول؛ سوريا ولبنان وفلسطين المُحتلة.

وفي خطوة مثيرة للجدل، على صلةٍ بوضع إسرائيل الجديد في المنطقة؛ أعلن نتنياهو أنه لن يقبل بأي اتفاق لوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى مع حركة حماس، مشددًا على هدفه في تدمير الحركة والقضاء على أي مقاومة في الوطن العربي. هذه التصريحات تعكس استراتيجية الحكومة الإسرائيلية التي تسعى إلى مواجهة أي شكل من أشكال المقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن العراق وإيران هما الهدفان التاليان بعد غزة ولبنان، بعد الإنجازات التاريخية التي حققها الحزب في محاربة الاحتلال وقصفه، وإرسال 4 ملايين مستوطن إلى الملاجئ. والآن جاء دور سوريا.
‎وبحسب تصريح (بنيامين نتنياهو) إن إسرائيل تعمل بطريقة منهجية على تفكيك ما يسميه محور الشر، مؤكدا أن هضبة الجولان ستبقى إسرائيلية إلى الأبد

ان الوضع الحرج في سوريا والمنطقة عموماً مع ان سوريا قد تتحررت من حكم الحزب الواحد ودكتاتورية الاشخاص والعوائل لكن القادم ليس بالسهل ولا اليسير على الدولة وشعبها ويتطلب حنكة وذكاء في التعامل مع الملف السوري الداخلي بكل تعقيداته والاسراع بمصالحة وطنية حقيقية شاملة تجمع السوريون وتوحدهم امام المخلطر الداخلية والخارجية ىان يستفيدوا من درس الحالة العراقية التي سبقتهم، كما يستوجب ان يساعد الاشقاء العرب السوريين ويمدوا لهم يد ادعون للنهوض من جديد والوقوف على القدمين وانجاح تجربة مابعد التغيير، فخسارة سوريا لموقعها وقوتها هي خسارة لكل العرب وضعف لكل العرب من هنا فمساعدتها ضرورة في الوقت الحالي كي لا تكون مرتعاً للفساد والفشل الاداري او بيئة جاذبة ومشجعة للتنظيمات المسلحة والارهابية التي قد تشكل خطراً على الجيران وعاملاً لعدم الاستقرار في المنطقة.