واحة المجرمين
إسماعيل الشريف
إن إرسال هؤلاء المدانين إلى الأراضي البعيدة يحقق هدفين: يُخفف الضغط عن سجوننا، ويتيح لنا التوسع في أراضٍ غير مأهولة- اللورد ليندسي، وزير داخلية بريطاني.
في الأخبار، أفادت تقارير صحفية بأن جنودا صهاينة صرّحوا لوسائل إعلام عن زملاء لهم عبّروا عن استمتاعهم بحرق المنازل في غزة. كما ورد أن الجيش أصدر تعليمات صارمة لجنوده بسحب جميع المواد المنشورة على الإنترنت التي قد تُستخدم كتوثيق لأفعال تُصنّف ضمن جرائم الإبادة الجماعية.
في عام 1788، أسست بريطانيا أول مستعمرة لها في نيو ساوث ويلز بأستراليا، حيث أرسلت أول سفينة تحمل على متنها 750 مجرمًا. جاء ذلك بعد قرار بريطانيا التوقف عن إرسال المجرمين إلى الولايات المتحدة عقب استقلالها. وخلال ثمانية أعوام لاحقة، أرسلت بريطانيا إلى أستراليا ما مجموعه 162 ألف مجرم. وقد أدى هذا الاستيطان إلى ارتكاب مجازر وإبادة جماعية بحق السكان الأصليين على أيدي هؤلاء المجرمين.
يثبت الصهاينة يومًا بعد يوم أنهم سفّاكون للدماء، لا يتورّعون عن قتل الأطفال والنساء، وتدمير المدن والقرى بلا رحمة. والأسباب واضحة ولا تحتاج إلى تفصيل؛ فهي متجذّرة في أيديولوجيتهم القائمة على مفهوم «الشعب المختار»، والنصوص الدينية المحرّفة، والنظام التعليمي الذي يغذّي الكراهية والعداء. كما يستغلون معاناتهم من الاضطهاد في أوروبا لتبرير جرائمهم بحق العرب، بما في ذلك الإبادة والتدمير.
يُضاف إلى ذلك عقيدتهم العسكرية المتطرفة، والدعم الدولي المستمر الذي يغضّ الطرف عن جرائمهم، إضافةً إلى الثقافة الإقصائية التي تعزّز نزعتهم الاستعمارية وتغذّي أطماعهم التوسعية.
وسأضيف سببًا آخر إلى الأسباب المذكورة أعلاه، وهو أنهم مجرمون بالمعنى الحرفي للكلمة؛ إذ يعج الكيان بآلاف الخارجين عن القانون الذين يرتكبون الجرائم دون رادع أو محاسبة، في ظل منظومة تتغاضى عن أفعالهم وتمنحهم الحماية.
أي مجرم او مختل يدّعي أنه يهودي يمكنه استغلال «قانون العودة» ليصبح «إسرائيليًا»، يحصل على الجنسية، ويغيّر اسمه وحتى مظهره. وبعد ذلك، يعيش في إحدى المستوطنات، وغالبًا ما ينضم إلى الجيش. هناك، يتورط في أفعال همجية؛ يضحك بهستيرية وهو يدمّر منزلًا، أو يقتل طفلًا، أو يتباهى بارتداء ملابس داخلية تعود لسيدة من ضحاياه، أو ينام على سرير داخل بيت مدمّر في غزة.
يمكن لأي مجرم، أو متحرش بالأطفال، أو قاتل متسلسل لم تصدر بحقه قرارات تمنعه من السفر في بلده، أن يتوجه إلى تلك الدولة المارقة ويعيش هناك بحرية تامة، دون أي قيود أو محاسبة، وبعنوان معلوم لدى السلطات.
وزارة الداخلية هناك غير ملزمة بتسليم المجرمين أو برفض استقبال المهاجرين الفارين المجرمين، حتى لو كشفوا عن جرائمهم. كما أنه لا يحق لوزارة الداخلية أن تحقق مع أي يهودي بشأن جرائم ارتكبها في بلده الأم.
وبالطبع، تتواطأ بعض الدول مع الاحتلال وترسل مجرميها إلى الكيان للعيش هناك، في إطار دعمها لزيادة أعداد المهاجرين اليهود بهدف التفوق العددي على الفلسطينيين.
من الأمثلة الشهيرة على ذلك قضية الأمريكي جيمي كارو، الذي هاجر إلى الكيان وغيّر اسمه إلى يوسف كارو. ورغم إدراج اسمه على قائمة المطلوبين لدى الإنتربول بتهمة اغتصاب طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات في ولاية أوريغون الأمريكية، فقد عاش في فلسطين المحتلة لمدة عشرين عامًا. لاحقًا، أُلقي القبض عليه وسُجن في الكيان لارتكابه جريمة أخرى، ولم يتم تسليمه إلا بعد ضغط من المنظمات الحقوقية والناشطين داخل الكيان.
من الأمثلة الشهيرة على ذلك قضية الأمريكي يونا وينبرغ، الذي أُدين في محكمة بنيويورك بتهمة الاعتداء على طفلتين، وقضى فترة في السجن هناك. بعد إطلاق سراحه، فرّ من الولايات المتحدة إلى الكيان، حيث عاش في القدس المحتلة. ورغم مطالبة الولايات المتحدة بتسليمه، تجاهلت السلطات الصهيونية هذا الطلب.
لذلك، عندما ترى قطعان المستوطنين والجنود يسرقون الأرض، ويعتدون على ممتلكات الفلسطينيين، ويحرقون أطفالهم، وعندما تعلم أن 70% من ضحايا غزة هم من الأطفال والنساء، فاعلم أن المقاومة والشعب الفلسطيني يواجهون مجرمين بكل معنى الكلمة.
فالحاكم الأول هناك، نتن ياهو، متهم بجرائم فساد ورشاوى، وبحقه تُهم قائمة، وهو ووزير حربه السابق متهمان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبعض وزرائه مدرجون على قوائم الإرهاب.