امان ربي امان

بشار جرار

لم يكن سهوا غياب الهمزة أو المَدّة كلتا الحركتين أو إحداها. تعمدت الإرجاء إلى حوافّ السطر الأخير. درَجت تلك العبارة –»امان ربي امان»- في المسلسلات المدبلجة التي راجت قبل «الربيع العربي» الهدّام، على عدد من شاشات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعروف اختصارا بـ»مينا»، بعد اندثار عهد الدوبلاج ترجمة صوتية لا كتابية من المكسيكية إلى العربية. غابت «كاسندرا» وحضرت عوضا عن شقاوتها دراميات الأشقياء من ترويج خطاب الكراهية باسم مكافحتها، والتحريض باسم الحض على قبول الآخر، أي آخر، حتى وإن كان استنساخا واستحضارا لحقب تاريخية أدمت «الأمة» وأثخنت أمم المنطقة وشعوبها جراحا ما تكاد تندمل حتى يتم نكؤها باسم فتح الجرح وتطهيره!.

الأمن والأمان حالتان تحكمها التراتبية والتراكمية. لا أمان في غياب الأمن، الأمن المستتبّ. ليس أي أمن، بل الأمن الشامل العميق والمستدام. فإن تحقق، انتقلنا من الأمن إلى الأمان وسنامُه ليس السكون بل السكينة، وما هي بطمئنينة بل مصالحة صادقة مع الذات أولا، ومن ثمّ الآخر، حينها يكون السلام حقيقيا. ومن مقدماته ونتائجه، عودة الأمور إلى الحالة الطبيعية المنطقية، بين المخلوقات والكائنات والأشياء، إما صراع وتسخير وإما تعاون وتكامل في معادلة نربح معا بدلا من المعادلات الصفريّة بأنواعها، إما نحن وإما هم.

من هذا المنظور تتكشف أمامنا مرة آخرى، ولطالما تكررت تلك الصورة أمام من له عينان تبصر وأذنان تسمع. «فاقد الشيء لا يعطيه» الأمن لا يُنتزع ولا يُفرض فرضا. الأمن ترسي قواعده البيوت وتعلي أركانها المدارس، قبل أن تحميه وتصونه أجهزة الأمن والجيوش والأحلاف.

ما زال القرار خلافا لما تروج له وسائل الإعلام والإعلان، مازال القرار فرديا مجتمعيا. أي البشر نحن؟ أي المواطنين والرعايا نحن؟ هل نخاف القانون، نهابه أم نحترمه؟ هل نحب لأخينا وجارنا ونرضى حتى لعدونا ما نرضاه لأنفسنا فيما يخص الكرامة الإنسانية؟ ما الفارق بين مجرم بعَصابة على الرأس ومجرم بعمامة أو بخوذة؟ ما الفرق بين إرهابي بزي مرقّط أم سادة، ما دام شاهرا سيف البطش أو داسا خنجر الغدر؟.

القرار قرارنا والحرب حربنا تماما كما رفعنا الصوت عاليا في التنديد بعصابة داعش الإرهابية. تلك كانت إشارة من إدارتين فيما تبقى من مرحلة «البطة العرجاء» والتي يظنها البعض خالية من القدرة على «أوتو بايلُت – القيادة الذاتية أو الآلية» لخيارات على الطاولة أو من تحتها. لن يُسمح لظهور داعش مجددا. فماذا عن النصرة والقاعدة وأخواتها من تنظيمات باطنية خارجيّة -لا تخفى على عاقل- أمعنت في الخروج على حرمات الأوطان وتقسيم المقسّم والتخادم مع ورثة «سايس-بيكو» في إعادة رسم خرائط أو مراكز نفوذ الشرق الأوسط «الجديد» للغاية؟!.

العبرة في الخواتيم، مازلنا في بداية مسلسل الأحداث. المسرح لا يقتصر على سورية، فمن الوارد جدا انتهاء الغاية من تحذير رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو للرئيس السوري بشار الأسد بعدم «اللعب بالنار»، انتهاء الأمر بإخراج أو خروج إيران أولا ومن ثم روسيا -بالتزامن مع انسحاب أمريكي من سورية مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خاصة إن تحقق مراده بصفقة حماس أو غزة قبل العشرين من يناير 2025. وقد قالها صراحة بأن «الفوضى» في سورية وهي «غير صديقة» لا ينبغي أن يكون لواشنطن أي صلة بها.

في الغد ربما تنكشف مستجدات -ما بعد حمص وقبل دمشق- تشي بموقف ترامب المرتقب!