بين الثقة والرفض قراءة متوازنة في نتائج التصويت البرلماني

الدكتور عادل محمد الوهادنة
المقدمة: تابعت قراءة ملخصات مداخلات الأغلبية من النواب ومقارنتها مع الأهداف أو مدى تلبيتها لهذه الطروحات. لاحظت أن بعض المداخلات ارتكزت على إشارات محددة تعطي قوة للتدخل أو لطرح الرأي، بحيث يمكن أن يكون الهدف منها إعادة توجيه السياسات أو تقديم أفكار مبنية على دراسات يمكن أن تستفيد منها الحكومة. ولكن الأغلبية من هذه الطروحات لم تُلبِّ ما يسمى إشارات تعكس برنامج النائب للمراقبة أو تعكس أهدافًا واضحة قادرة على تحقيق تطلعات واقعية. كما أنها افتقدت إلى أفكار واضحة تتناسب مع المقدرات الذاتية للدولة. لذلك، جاء الرفض في بعض الأحيان معتمدًا على أفكار بعيدة عن المنهجية المتوقعة في مثل هذه الطرحات. فقد ظهرت إشارات تدل على أن بعض النواب اعتمدوا على مقارنات غير مكتملة أو افتقرت إلى العمق بين خطاب الثقة ومعاييرهم الذاتية، دون وضع إشارات محددة قابلة للقياس أو التنفيذ. بناءً على ذلك، توصلت إلى الاستنتاج التالي:
نتائج التصويت وتحليلها: بالنظر إلى نتيجة التصويت:
•أعطى الثقة: 82

•امتناع: 2

•حجب الثقة: 53

قراءة متوازنة للوضع:

1.التوازن بين الشرعية والضعف السياسي: حصول 82 صوتًا لمنح الثقة يعني أن الجهة المعنية قد تجاوزت الحد الأدنى المطلوب للحصول على الشرعية السياسية، مما يُمكّنها من ممارسة مهامها. ومع ذلك، فإن العدد الكبير نسبيًا من الأصوات المعارضة (53) يشير إلى وجود كتلة مؤثرة غير راضية عن الأداء أو البرنامج المطروح، وهو ما قد يضعف قدرة الجهة الحاصلة على الثقة على تنفيذ خططها دون تحديات.

2.الامتناع كدلالة رمزية: الامتناع عن التصويت (2) على الرغم من كونه عددًا ضئيلًا، يُظهر وجود أعضاء اختاروا الحياد أو أرادوا إرسال رسالة بأنهم ليسوا مع أو ضد، مما يعكس حساسية الوضع وعدم الرغبة في الاصطفاف مع أي طرف بشكل واضح.
3.إشارات للانقسام السياسي: الفارق بين المؤيدين (82) والمعارضين (53) ليس كبيرًا جدًا، مما يُبرز انقسامًا داخليًا في المؤسسة التشريعية. هذا الانقسام قد يكون ناتجًا عن خلافات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية حول البرنامج أو الأداء.

4.التحديات المستقبلية: هذه النتيجة قد تفرض على الجهة الحاصلة على الثقة ضرورة العمل بشكل جاد لتوسيع قاعدة التأييد عبر الحوار وبناء توافق وطني، خاصة أن أكثر من ثلثي المشاركين في التصويت (55 من 137) لم يمنحوها دعمًا صريحًا.

تقييم دوافع التصويت:

•إذا كان التصويت بناءً على تقييم ذاتي فعلي للأداء:

oيشير إلى أن النواب اتخذوا مواقفهم بناءً على معايير موضوعية ترتبط بالكفاءة والخطط المطروحة، وهو مؤشر إيجابي على نضج العملية السياسية.

oفي هذه الحالة، النقد أو المعارضة قد تكون بناءة وتهدف إلى تحسين الأداء.
•إذا كان التصويت نتاجًا لأجندات مسبقة:

oيعكس وجود انقسامات سياسية أو ضغوط قد تعطل العمل الحكومي أو تعيق التقدم، بغض النظر عن جودة البرنامج أو الأداء.
oقد يؤدي هذا إلى أزمات سياسية تؤثر على فعالية الحكومة وتنفيذ خططها.

الواقع غالبًا مزيج من الاثنين:

oمن المرجح أن تكون بعض المواقف قائمة على قناعات حقيقية، بينما تتأثر أخرى بأجندات مسبقة أو ضغوط خارجية.
oتوزيع الأصوات (82 مؤيد، 53 معارض، 2 ممتنع) يعكس هذا التنوع في الدوافع.

الخلاصة:

نتيجة التصويت على منح الثقة تفتح الباب أمام قراءات متعددة تتعلق بأداء النواب ومواقفهم. إذا كانت المواقف قائمة على تقييم موضوعي، فإن الحكومة أمام فرصة للاستفادة من الملاحظات والنقد لتحسين أدائها. أما إذا كانت المواقف مدفوعة بأجندات مسبقة، فقد يواجه العمل الحكومي عراقيل غير مبررة تعيق التقدم. لكن الأهم من ذلك، أن هذه النتيجة تؤكد أهمية العمل على بناء توافق أوسع بين الحكومة والنواب. مثل هذا التوافق لا يعتمد فقط على عدد الأصوات المؤيدة، بل على تعزيز الحوار، تقديم برامج تستجيب لتطلعات الشعب، وتفعيل دور النواب في مراقبة الأداء بشكل منهجي ومدروس. بذلك، يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية للإصلاح والتنمية.