خطابات «الثقة» بين «البرامجية» و«المطالبية»!

عوني الداوود

انتهت مساء الأمس معظم نقاشات بيان «الثقة» - وفق ما أعلنه رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي - ولم يتبقَّ اليوم سوى كلمات لنحو 30 نائبًا، ومنها كلمة لكتلة حزب جبهة العمل الإسلامي، سيلقيها رئيسها النائب صالح العرموطي قبل الاستماع إلى ردّ رئيس الحكومة د. جعفر حسان على كلمات النواب، ومن ثمّ التصويت على الثقة، التي ستنالها الحكومة - وفقًا للتوقعات - بغضّ النظر عن عدد الأصوات.

 خطابات النواب التي استمعنا إليها من المهمّ - بل والضروري - التوقف عندها وتحليلها ودراستها لعدة أسباب، منها:

أ) أنها تمثّل بمجملها «خارطة هموم المواطنين» التي عبّر عنها النواب، حزبيون كانوا أم عن الدوائر المحلية، وسواء كانت تلك الهموم «مطالبية خدماتية» أم همومًا وطنية وإقليمية.

ب) أن تلك الخطابات - التي حرص النواب جميعًا على تقديمها فرادى وكتلًا - هي بمثابة تقديم لشخصياتهم وقدراتهم وأدائهم (خصوصًا النواب الجدد) أمام المجلس والحكومة وقواعدهم الانتخابية.

ج) أن هذه الخطابات في هذا المجلس تحديدًا (كونه برلمانًا حزبيًا) من المفترض أن تظهر للناخبين الفرق بين النقاشات الفردية السابقة وبين النقاشات الحزبية وائتلافات الكتل النيابية (وهذا ما لم يظهر بالصورة المأمولة والمفترضة - من وجهة نظري).

د) كلمات السادة النواب من المهم تلخيصها - ليس فقط من قبل الحكومة ليتضمن ردّها الذي سيلقيه رئيسها اليوم إجابات على ما ورد في تلك الخطابات - بل من قبل المحللين والمراقبين والدارسين والباحثين؛ لأنها تمثّل أيضًا أولويات البرلمان الـ20، وتوجهات النواب والكتل الحزبية (تحديدًا).

لذلك يمكن التطرق سريعًا، ومن خلال ما تابعته واستمعته من خطابات، إلى أبرز الملاحظات التي ألخّصها بالنقاط التالية:

1 - طغت «الفردية» على الخطابات، بمعنى أنني لم ألمس فرقًا كبيرًا في محتوى الخطابات بين المجالس السابقة وبين مجلس برلماني حزبي، من المفترض أن يتم فيه محاججة ما ورد في «البيان الحكومي البرامجي» بخطابات برامجية وحلول، أكثر من مجرد الإشارة إلى هموم ومشاكل لا نختلف على «تشخيصها»، ولكننا بحاجة إلى اختلاف إيجابي حول سبل وآليات حلّها.

2 - «بعض» الأحزاب عبّرت عن أولوياتها وبرامجها في خطاباتها تحت القبة، سواء في خطاب ممثّلي الكتل الحزبية أو حتى من ينتسبون إليها من أفراد تحت القبة،.. ونتوقع ونتمنى ظهورًا أقوى للبرامج الحزبية خلال مناقشة مشروع قانون موازنة 2025.

3 - هناك قضايا توافق عليها المتحدثون، وهي ثوابت الأردن تجاه القضية الفلسطينية، وقوة الجبهة الداخلية، والالتفاف حول القيادة الهاشمية، ودعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وأهمية رؤى الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري.

4 - هناك ملفات حظيت بأولويات متقدمة في خطابات المتحدثين (أفرادًا وأحزابًا)، يتقدمها ملف الحريات العامة، وقد تكررت المطالبة بتعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية في كثير من الكلمات.

5 - التعليم والصحة من أبرز الملفات التي تم التطرق إليها بالعموم والخصوص، ومن نواب الدائرة العامة والدائرة المحلية، وتمت الإشارة بالتفصيل إلى نقص في الخدمات الصحية والمستشفيات والمراكز الصحية في عدد من المحافظات تحديدًا.. إضافة إلى ملف المناهج والتعليم التقني.

6 - المشاكل والقضايا الاقتصادية الأبرز، والمتفق عليها، تقدّمها ملفات: البطالة، والمديونية، وعجز الموازنة، وجذب الاستثمارات، والضريبة.

7 - السؤال الأبرز والمتكرر.. حين التطرق للمشاريع الكبرى (خصوصًا الناقل الوطني وسكك الحديد) كان: من أين سنحصل على التمويل لمشاريع تحتاج إلى مليارات؟.. ومن المؤكد أن يجيب اليوم دولة الرئيس على هذا السؤال وغيره من الأسئلة.

8 - ملف الطاقة حظي بكثير من تساؤلات النواب، خصوصًا ما يتعلق بثروات الغاز والنفط والذهب والنحاس.. وحتى الصخر الزيتي، والمطالبة بمزيد من الجهد لاكتشافها واستخراجها.

9 - من الملفات الاقتصادية التي حظيت بالاهتمام، ملفات السياحة، والزراعة، والاستثمار، والأمن الغذائي.

10 - من حق النواب شكر من أوصلوهم لقبة البرلمان، ولذلك غلبت «المطالب الخدماتية» المناطقية على كلمات كثير من النواب.

11 - كثير من النواب امتدحوا «الجولات الميدانية» للحكومة، وتمنوا أن تستمر.

12 - المشكلة أن معظم ما تم طرحه من هموم ومشاكل لم تطرح معه حلول - سوى عدد قليل جدًا من الأحزاب والأفراد - ولم نستمع إلى حلول ومقترحات «خارج الصندوق» لمواجهة بيان حكومي يتضمن حلولًا ومبادرات برامجية زمنية.

* باختصار:

A) مناقشة «بيان الثقة» تمثّل بدايات تشكّل الانطباع الأول لمجلس نتوقع منه ومن «الكتل الحزبية» أداءً أقوى، تطغى عليه الخطابات البرامجية، وهذا ما نأمله ونترقبه أكثر خلال مناقشات مشروع موازنة 2025.

B) بالنسبة للحكومة.. فإنّ الردّ الحقيقي المطلوب منها على جميع خطابات النواب، أن يكون ردًّا عمليًا، وفي الميدان، ومن خلال تحويل برامجها ومبادرات «الرؤية الاقتصادية» إلى واقع ملموس يحسّن معيشة المواطن، ويزيل فجوة الثقة بين الحكومة ومجلس النواب والمواطنين.