سوريا بين حرب الوكالة وانهيار الدولة

إسماعيل الشريف

«نخوض حربًا بالوكالة، ولكننا لا نمنح وكلاءنا القدرة على القيام بهذه المهمة. لسنوات كنا نسمح لهم بالقتال بيد واحدة مقيدة خلف ظهورهم، وكان ذلك قاسيًا- بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق.

في عام 2013، أطلقت وكالة الاستخبارات الأمريكية بالتعاون مع عدة دول برنامجًا سريًا حمل اسم «Timber Sycamore» (خشب الجميز). كان الهدف من البرنامج دعم فصائل المعارضة السورية خلال الحرب الأهلية السورية، وشمل تدريبًا وتسليحًا وتمويلًا لجماعات معارضة تقاتل ضد الحكومة السورية.

استهدف البرنامج إضعاف نظام الرئيس الأسد لإجباره على التفاوض أو الإطاحة به. ومع ذلك، أُوقف البرنامج في عام 2017 بقرار من الرئيس الأمريكي ترامب، بعد اعتباره غير فعّال، وسط تقارير تفيد بوصول الأسلحة إلى تنظيمات متطرفة.

رغم ذلك، كان للدعم الروسي والإيراني المستمر لسوريا على مدى سبع سنوات الفضل في صمود الرئيس الأسد. إلا أن الأمور أخذت منحى مختلفًا مع صعود هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقًا بجبهة النصرة، حيث تمكنت من السيطرة على مدن كبرى في سوريا، مثل حلب وتتوغل في حماه، مما يهدد بانهيار الدولة السورية أو تقسيمها في أفضل الأحوال.

قبل سبعة أعوام، كانت هيئة تحرير الشام مجرد تنظيم مسلح صغير. أما اليوم، فقد أصبحت منظمة كبيرة وغنية ومسلحة جيدًا، تضم شرطة وبيروقراطيين ونظامًا إداريًا متكاملًا. هذا التطور مكّنها من السيطرة على المدن السورية بسهولة، كما أنها تتحالف مع حكومة الإنقاذ الوطني السورية، مما يجعلها قادرة على إدارة وتقديم الخدمات في المناطق التي تسيطر عليها وتقديم نظام سياسي بديل.

ربما تعلمت الجهات الداعمة للهيئة درسًا من التجارب السابقة بعدم دعم الميليشيات المسلحة الراديكالية. لذا، وجهت دعمها هذه المرة إلى الهيئة وزعيمها أبو محمد الجولاني، الذي كان عضوًا في داعش قبل أن ينفصل عنها.

ولا يبدو مصادفة أن تبدأ هيئة تحرير الشام عملياتها فور سريان وقف إطلاق النار في لبنان، لتشتعل جبهة جديدة تتسم بتعقيد بالغ وغموض يكتنف تفاصيلها حتى هذه اللحظة.

رغم غموض المشهد، فإن النتائج تبدو واضحة. عمليات الهيئة ستُضعف النفوذ الروسي في المنطقة، حيث تُعد سوريا آخر حلفاء روسيا في الشرق الأوسط وقاعدتها الوحيدة على المياه الدافئة. كما ستعمل على قطع الطريق أمام إمدادات السلاح الإيراني إلى لبنان.

هذه التطورات تحمل تغييرات جذرية محتملة في المنطقة. قد تختفي دول وتظهر أخرى، بينما تشهد التحالفات السياسية والعسكرية تحولات تعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط.

بالطبع، تتابع الولايات المتحدة والكيان هذه التحولات عن كثب. فمن جهة، يسرهما إضعاف النفوذ الإيراني والروسي في سوريا. ومن جهة أخرى، تخشيان أن هيئة تحرير الشام قد تشكل تهديدا مستقبليا لهما.

في ظل ذلك، تسعى روسيا وإيران لدعم الأسد، لكن المؤشرات تشير إلى أنهما قد تفشلان هذه المرة. فروسيا منشغلة بالحرب الأوكرانية وتحديات طالبان قرب حدودها. أما إيران، فقد أنهكتها حرب لبنان، وتخشى عودة دونالد ترامب بسياسة أكثر حزمًا تجاهها.

وفي غزة، تتضح المعادلة: الضحية والجلاد كلاهما معروف. أما في سوريا، فالمشهد أكثر تعقيدًا، حيث تلوثت أيدي الجميع بالدماء.