بيان الحكومة فرصة ذهبية
د.عدلي قندح
جاء البيان الوزاري لحكومة الدكتور جعفر حسان برؤية اقتصادية شاملة تحمل بين طياتها طموحات كبيرة، ترمي إلى تعزيز الاستقرار والنمو، وتحسين جودة حياة المواطنين. في ظل التحديات المحلية والإقليمية التي تواجه الأردن، يمثل هذا البيان خطوة مهمة في صياغة مسار جديد يعكس التزام الحكومة بتحقيق التنمية المستدامة من خلال مشاريع كبرى ورؤى اقتصادية تهدف إلى بناء مستقبل كريم للأجيال القادمة.
أحد أبرز محاور البيان هو التركيز على المشاريع الكبرى كرافعة للنمو الاقتصادي. إذ تناول مشروع الناقل الوطني للمياه، الذي يعد من أهم المشاريع الاستراتيجية لتعزيز الأمن المائي وتوفير 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، بالإضافة إلى مشروع سكك الحديد الوطنية، الذي سيعيد ترابط المناطق الحيوية في المملكة، معززًا تنافسية ميناء العقبة وقطاعي الفوسفات والبوتاس. هذه المشاريع ليست مجرد استثمارات في البنية التحتية، بل أدوات لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني، من خلال توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وخلق بيئة مواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
وفي إطار دعم القطاعات الإنتاجية، أبدى البيان اهتمامًا خاصًا بقطاع الزراعة من خلال إنشاء مصانع للتصنيع الغذائي وتطوير التعاونيات الزراعية، وقطاع الصناعة عبر مشاريع تنموية لإيصال الغاز الطبيعي إلى المناطق الصناعية. أما قطاع الطاقة المتجددة، فقد تم تسليط الضوء على مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة. هذه الجهود تسهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات، فضلاً عن كونها وسيلة لتوليد فرص عمل جديدة وتطوير الصناعات الوطنية.
ما يميز هذه الرؤية أيضًا هو التركيز على الشراكة مع القطاع الخاص، حيث اعتبرت الحكومة القطاع الخاص شريكًا رئيسيًا في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي. هذه الشراكة تُعزز من خلال حوافز استثمارية وإعفاءات ضريبية، خاصة في قطاع التكنولوجيا والاتصالات. إن هذا التوجه لا يعزز فقط دور القطاع الخاص كمحرك أساسي للنمو، بل يسهم في خلق بيئة استثمارية جاذبة وقادرة على التكيف مع التحولات الاقتصادية العالمية.
ولم تغفل الحكومة الاستثمار في رأس المال البشري، إذ تضمنت خططها بناء 500 مدرسة جديدة خلال السنوات الخمس القادمة، وتحسين تدريب المعلمين، ودعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال. هذه الاستثمارات تعكس إدراكًا عميقًا بأن التعليم والتدريب هما الأساس لتمكين الشباب وتأهيلهم لمتطلبات سوق العمل المستقبلية. فالاستثمار في الكوادر البشرية ليس مجرد استثمار اقتصادي، بل هو استثمار في الاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة.
الاهتمام بالتنمية الإقليمية كان حاضرًا بقوة في البيان، حيث ركزت الحكومة على تحسين البنية التحتية في المحافظات، خاصة في مجالات المياه والصرف الصحي والطاقة. هذه الخطط تهدف إلى تقليل الفجوة التنموية بين المناطق، وتعزيز فرص النمو الاقتصادي في كافة أنحاء المملكة. فالتنمية المتوازنة ليست فقط مطلبًا اقتصاديًا، بل هي أساس لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق الاستقرار.
على صعيد المالية العامة، أظهرت الحكومة التزامًا واضحًا بالاستدامة المالية من خلال خطط لخفض الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي (بدون ديون صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي) بحلول عام 2028، واستبدال الديون مرتفعة الكلفة بقروض ميسرة. هذه السياسات تعكس توجهًا جادًا لضبط المالية العامة وتعزيز الثقة بالاقتصاد الأردني، وهو ما يعتبر ضروريًا لجذب المزيد من الدعم الدولي وتعزيز الاستثمارات.
ولأن السياحة تمثل أحد أبرز القطاعات الرافدة للاقتصاد الوطني، ركز البيان على تنويع المنتج السياحي وتطوير السياحة العلاجية والتراثية. كما تعهدت الحكومة بتحقيق زيادة في الإيرادات السياحية واستهداف أسواق جديدة. هذا الاهتمام يعزز مكانة الأردن كوجهة سياحية متميزة ويزيد من مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي.
ان تحقيق هذه الرؤية الطموحة يتطلب تعزيز الإيجابيات وتطويرها. من المهم أن تُترجم هذه الخطط إلى واقع من خلال آليات تنفيذ واضحة ومؤشرات أداء دقيقة لمتابعة الإنجاز. يمكن أن تستفيد الحكومة من إنشاء وحدة خاصة لمتابعة المشاريع الكبرى، تضمن سير العمل وفق الجدول الزمني المخطط له. كما أن دعم القطاع الخاص يمكن تعزيزه من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وإطلاق برامج تحفيزية للقطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.
علاوة على ذلك، فإن تطوير رأس المال البشري يمكن أن يكون أكثر شمولية من خلال برامج تدريبية متخصصة تستهدف القطاعات ذات الأولوية. كما أن تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب أن يتوسع ليشمل تطوير التكنولوجيا والابتكار، مما يمكن الأردن من أن يكون مركزًا إقليميًا لهذه الصناعات.
ختامًا، يحمل البيان الوزاري لحكومة الدكتور جعفر حسان رؤية طموحة تستهدف بناء اقتصاد متوازن ومستدام. هذه الرؤية، إذا ما نُفذت بفعالية، يمكن أن تشكل نقطة تحول مهمة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا. ولكن النجاح يعتمد على القدرة على ترجمة هذه الأهداف إلى واقع ملموس، مع تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان تحقيق النتائج المرجوة لتعزيز اقتصاده وتحقيق تطلعات شعبه، وهذه الرؤية تمثل بداية الطريق نحو هذا الهدف.
نحن على ثقة تامة برئيس الحكومة دولة الدكتور جعفر حسان وبفريقه الوزاري وخاصة الاقتصادي والمالي منه، وعلى مختلف القطاعات تقديم الدعم اللازم لهم والتعاون معهم لابعد الحدود لانجاح خطط وبرامج الحكومة لانها تصب في مصلحة الوطن والمواطن.