البرنامج الوزاري بين واقع الشعب وخيال السياسة
يحيى الحموري
دولة رئيس الوزراء، الدكتور جعفر حسان، الموقر،،،
تحية تليق بمقام المسؤولية العُظمى، وبعد،
قرأت بيانكم الوزاري بعين المترقِّب لواقعٍ يُزهر بعد طول جفاف، وتأملت كلماتكم بعقلٍ يتوق إلى أن يرى السياسة فنّاً للإصلاح، لا حرفةً للإقناع. وما وجدته بين سطوركم من دعوةٍ إلى العمل والمثابرة لإطلاق الطاقات وتحقيق الطموح، وإن كان في ظاهره نبيلاً، فإنه يحمل في طيّاته تساؤلاتٍ تضجّ بها صدور شعبٍ أرهقته العبارات وفتّتت أضلاعه الوعود.
أقول لكم، يا دولة الرئيس، إنَّ الحكومات لا تُقاس بما تخطه أقلامها من برامج، بل بما تتركه أقدامها من آثارٍ في مسالك الإنجاز. وقد ذكرتم أنكم لم تُكلَّفوا لإدارة التوقعات، وهذا لعمري قولٌ يثير من الدهشة بقدر ما يستدعي من الحذر؛ إذ إن التوقعات ليست سُقُفاً تُدار، بل هي انعكاسٌ لواقعٍ يئن تحت وطأة الحاجة، ويتوق إلى انفراجٍ تُصدِّقه الأفعال لا الألفاظ.
إنَّ الطموحات التي تتحدثون عنها، يا دولة الرئيس، كالبحار الهائجة، لا يخوض غمارها إلا من أعدّ لها سفينةً صلبة ودُرَّابِين حاذقين. فهل أعددتم العدّة، أم أنَّ الحديث عن إطلاق الطاقات سيبقى كطائرٍ يحلّق في سماوات البلاغة دون أن يلامس أرضاً؟
دعني أُذكِّركم، يا دولة الرئيس، أنَّ الواقعية والمسؤولية اللتين تزدان بهما كلماتكم ليستا مجرد مفردتين تتصدران العناوين، بل هما ميثاقٌ يستوجب مواجهة المشكلات بأدواتٍ لا تعرف التردد، وحلولٍ لا تقبل المراوغة. فإن كنتم حقًّا قد وضعتم برنامجاً يُحاسبكم عليه الناس، فهل وضعتم في حسبانكم قسوة السؤال حين يُرفع الميزان؟ وهل أعددتم الإجابات حين تُكشف عورات الأداء؟
إن البطالة التي تحصد آمال الشباب ليست انتظاراً لصيغ لغوية تُجمل الواقع، والفقر الذي يُنبت القهر في النفوس ليس محطةً لتجارب البرامج الوزارية، والاقتصاد الذي يستجدي الحياة ليس ملعباً للكلمات المنمّقة.
يا دولة الرئيس، إن الشعب الذي تسوسونه اليوم هو شعبٌ بلغ من الوعي مبلغاً لا تُغشيه العبارات البليغة، ولا تُفتنه الزخارف اللفظية. الشعب يريد حكمة تُترجمها أفعال، ويريد إنجازاً يُكذّب الأقوال التي طالما ظلت حبيسة الخُطب.
وإذ أذكّركم بأنَّ المحاسبة التي ذكرتموها ليست ترفاً سياسيّاً ولا واجباً يُؤدى في مناسباتٍ شكلية، بل هي عين المسؤولية التي لا تعرف المُهادنة، فإني أقول لكم: ليكن عهدكم هذا عهداً تُكسّر فيه أقفال البيروقراطية، وتُدفن فيه سياسات التسويف، ويُؤسس فيه لنظامٍ تكون فيه المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
فإن كنتم على ذلك عازمين، فالعمر لحظة، والمواقف خالدة، والتاريخ لا يرحم من تعثّر عند مفترق الطموح والواجب.
تلك البلاد تناديكم، فأجيبوا بنداء الإنجاز لا نداء الخطابة، وأروا الناس في أفعالكم ما يسبق أقوالكم. فإنكم إن فعلتم، بُعثت الثقة من رمادها، وإن تلكأتم، كان العذر أثقل من الخطيئة.