مدى إلزامية القرارات والتوصيات الصادرة عن الجمعيّة العامّة

د.فريال حجازي العساف

تتحدد الإلزامية القانونيّة والقضائيّة للقرارات والتوصيات الدوليّة الصادرة عن الجمعيّة العامّة في ضوء القواعد القانونية الناظمة لأحكام القانون الدوليّ الإنسانيّ وقانون حقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة.

الجمعية العامّة تصدر العديد من القرارات والتوصيات والاعلانات في شتى المجالات حسب اختصاصها الوارد في نصوص ميثاق الأمم المتحدة؛ ومن حيث الأخذ بالاعتبار انّ الجمعيّة العامة تعتبر الأكثر تعبيراً عن آراء المجموعة الدولية، بالرغم من اتساع اختصاصها الا انّ العديد من قراراتها وتوصياتها واعلاناتها لم تلق احتراما والتزاما من الدول الأعضاء.

ومن هذا المنطلق يثار الجدل حول القيمة القانونية لقرارات وتوصيات الجمعية العامة، وبصفة عامة لا يمكن انكار القيمة القانونية والالزامية التي تتمتع بها توصيات وقرارات الجمعية العامة فهذا الانكار يمكن له ان يهدم الصفة القانونية للجمعية العامة. كممثل للإرادة الدولية، كما ان القول بتمتع قرار ات وتوصيات واعلانات الجمعية العامة بقوة الزامية مطلقة أمر ينقصه الدقة.

يمكن الإشارة الى الجدل الفقهي الدائر بين فقهاء القانون الدولي، الذين يميزون في الاعمال القانونية الصادرة عن الجمعية العامة، وبين درجة الالتزام، من قرار الى آخر، فهناك تمييز بين القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، وبين التوصيات، مما أدى الى ظهور اتجاه فقهي رافض لأي صفة إلزامية على التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة، فالتوصيات هي مجرد دعوة يصدرها جهاز دولي الى الدول، يطالب من خلالها الدول الى الامتثال الى سلوك معين، ولا تنطوي على معنى الالزام، ولا تفرض التزاماً قانونياً.

وقد جاء تأكيد ذلك من خلال نص المادة (10) من ميثاق الأمم المتحدة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة لها صفة التوصيات، وليست ملزمة للدول ولا تفرض التزاماً قانونياً، وكل الإجراءات التي تنبع من قرارات الجمعية العامة، ليس لها الا صفة التوصية وليس من شأنها ان تولد التزامات قانونية، وليس لها حق الا مناقشة بعض المسائل، فتصرفاتها ليست ذات قيمة قانونية.

في كل الاحول لا شيء تغير على نصوص ميثاق الأمم المتحدة منذ إصداره، واللوائح هي المفصل للتعبير عن وجهة نظر الجمعية العامة، وأن ما جاء ذكره في نص المادة (18) من الميثاق هي في الحقيقة غالباً توصيات ليس لها أي قيمة الزامية خاصة بها، الان انّ الامر ليس على إطلاقه، فنهالك ثمة استثناءات أذ ان بعض اللوائح الصادرة عن الجمعية العامة لها قيمة إلزامية، وترتب التزام قانوني ينطبق هذا القول في حالة مناقشة الجمعية العامة للميزانية، وفقا للمادة (17) من الميثاق، وكذلك فيما يتعلق بنظام المستخدمين الوارد في نص المادة (101)، أو ما يتعلق بالتنظيم الداخلي للجمعية العامة وفقا للمادة (21) من الميثاق.

الفقيه السوفياتي كوجينيوف ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، يرى ان الاعمال الصادرة عن الجمعية العامة ما هي الا توصيات، الا انه يمكن لها ان تتجاوز القيمة الإلزامية لها، اذا ما تم إقرارها بالإجماع، رغم ان ميثاق الأمم المتحدة لم يميز بين بين القرارات والتوصيات التي تصدر بالأغلبية أو بالاجماع، لهذ تم رفض هذا الرأي من قبل الكثيرون من الفقهاء و أصحاب الخبرة والاختصاص، ولا يجب ان يعتد بمعيار أسلوب التصويت كمعيار للطبيعة والاثر القانوني للقرار أو التوصية.

ما أقره هذا الاتجاه من الفقه بشأن عدم إلزامية التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة، أكدته محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في قضية جنوب غرب افريقيا عام 1966يث ذكرت في قرارها :» بتأكيد ان قرارات الجمعية العامة يمكن أن يكون لها أثر مهم، ولكن هذا شيء آخر، حيث يلعب الأثر المهم له من وجهة نظر السياسة، وليس لقانون، وهذا الأثر السياسي ليس من شأنه ان يجعل بأي حال من الأحوال هذه القرارات ذات قيمة قانونية ملزمة «.

هذا الاتجاه برمته يشير الى انكار الصفة الإلزامية على التوصيات، والقرارات الصادرة عن لجمعية العامة، الا انه يمكن ان تكون التوصية ملزمة، اذا ما قبلت الدول المخاطبة بها، وتعمل على تطبيق مضمونها فالبتالي الدول عندما تقوم بإحترام التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة فأنها تصبح قرارات تلزم المعنيين بها، خاصة اذا ما تعلق الأمر بتطبيق المبادئ الواردة في الميثاق، ومبادئ القانون الدولي، لكن بكل الأحوال هذا لا يعني انّ التوصية ملزمة الا اذا انبى على التصرف الخارجي للدول من خلال التصويت على تبني التوصية، وبالتالي هذا التصرف هو الذي منح التوصيات والقرارات صفة الإلزامية.