همس القرايا وحكي المرايا
د. محمد العزة
التدقيق والامعان في كل ما يدور من حوارات داخلية وكتابة مقالات تحليلية صحفية وسجالات حزبية وابداء الآراء حول آخر الأخبار على الساحة المحلية والإقليمية والدولية مرورا على عجل وبشكل خجل تقييم أداء التجربة الحزبية ماقبل العمل العملية الانتخابية وما بعدها وانتظار نتائج اولى نماذجها الذي نعول عليه بأن يكون نواة عمل مؤسسي يصبح اساسا وجزءا أصيلا لسلوك الإدارة السياسي الديمقراطي لمستقبل أداء الدولة الأردنية الداخلي وانعكاسه على مسيرة التحديث والتجديد في مظهرها كدولة تجمع ما بين الأصالة والمدنية والحداثة وصهر كل تيارات الفكر السياسي الأردني فيها من خلال تفعيل وتطبيق مفاهيم المواطنة والهوية الوطنية الجامعة والحوكمة الرشيدة.
كل هذا دفعني للحظة إلى أن أرجع إلى عام 2012 وقراءة سريعة إلى عناوين الاوراق النقاشية الملكية، فوجدت أنها الرؤية المستنيرة والمخطط الاستراتيجي لمستقبل الوطن الأردني القوي الذي نريد، بعيدا عن محاولات البعض إثارة الشك وسوء النوايا في العناوين، لأن هذا التيار يخشى التجديد أومستفيد من بقاء الوضع عليه كما هو ولا يعلم ان بقاء الحال على ما عليه يحقق الاستفادة الانية له لكن لن يجلب النفع للوطن الاردني العظيم على المدى المتوسط والبعيد، خاصة مع مستجدات وتداعيات الأحداث والمتغيرات السياسية في المنطقة وأثرها في تشكيل نهج الدول والأنظمة العربية والإقليمية.
تعدد الآراء ووتبادلها واختلافها ما بين أطراف المنظومة الأردنية السياسية سواء من هم في المواقع الحكومية الرسمية وما بين المؤسسات الحزبية والمنتديات ومراكز الدراسات البحثية والشخصيات الناشطة ثقافيا وسياسيا كفلته حرية التعبير التي ضمنها الدستور الأردني وتنوع الثقافة السياسية الأردنية، حيث يتفق الجميع أنها حالة صحية مادامت أنها تجمع على الثوابت الوطنية وتؤمن بأشراك الجميع دون إقصاء أوتهميش وتناقش الملفات بكل موضوعية وواقعية أشكالا وحلا، بعيدا عن تجاذبات الجدلية وإثبات وجهة النظر الشخصية.
ثقافة الولاء والمعارضة أصابتها تشوهات جذرية، بحيث أصيبت السقوف ومساحات الحريات بالتصاقات قادت إلى تناقضات جعلت ودفعت أصحاب الرأي وذوي الفكر المعتدل والسوي إلى الاعتزال أو التنحي، حيث تجد سقوفا عالية معارضة لغايات المناكفة املا بالعودة أو المنافسة على موقع، وفي الجانب الآخر تجد مجاملات ومدحا لقرارات لم ينتج عنها اي انجاز أوتحقيق أهداف للتكليف وفي كلا الحالتين يكون نصيبهما السلامة، هذا الاختلال أوفقدان الاتزان أوجد حالة من الارباك والتردد عند أصحاب الرأي في الكتابة عن الواقع وظروفه وما يتطلبه من اشادة بحق المسؤول اذا حقق الانجاز وشكل حالة من الريادة ونجاح القيادة في موقعه، أو النقد البناء عند تراجع نتائج ومخرجات القطاع المسؤول عنه وتحسن أحواله.
لهذا نحن مطالبون اليوم بنموذج حقيقي وواع ومدرك لأدوار فريق المعارضة وفريق السلطة، في دولة تمارس افضل نماذج الحريات من الديمقراطيات المتقدمة على مستوى الدولة العربية والإقليمية.
الاوراق النقاشية الملكية ناقشت في اول خمس فصولها السبعة تفاصيل بناء نموذج الديمقراطية الأردنية المتجددة المراد لها بأن تكون نواة الملكية الدستورية الخاصة الملائمة لبيئة وهوية النظام السياسي الأردني وتاريخه وطبيعه ثقافته المجتمعية، ولتضع خريطة عمل لمؤسسات الدولة وصفات رجالها وما عليهم من مسؤولية صلاحيات لادائها وادوات لاستخدامها وتوظيفها في ترجمة الولاية العامة وصلاحياتها والواجبات الموكولة لها ومدى مساحاتها وسعتها والقرارات الصادرة عنها التي تراعي مصلحة الوطن الاردني قيادة وأرضا وشعبا.
الملك صرح بذلك من سنوات وكلف بإيجاد آليات تطبيقها عندما تم تشريع إقامة الأقاليم واللامركزية واستحداث وزارات الشؤون السياسية وهيئة الاستثمار والهيئة المستقلة للانتخابات، لكن هناك من استثمر الثقة بغير مكانها واصابه غرور السلطة وأوصلنا إلى ما نحن فيه.
نعم نهج إدارة الدولة على مستوى عمل الحكومات والأنظمة والتشريعات بحاجة إلى تحديثات وإصلاحات ولعل ما نعيشه اليوم من مرحلة التحديث هو إثبات على ذلك، وهذا له ثمن ولابد أن نتحمل هذا الثمن اذا ما أردنا اظهار الجدية لتطبيقها وإيجادها على أرض الواقع لمواجهات التحديات واخراج الاردن من تراكمات إدارات أنتجت مديونية وتراجعا في بعض المجالات الخدماتية التي نعرفها. السبيل إلى ذلك هو اختيار المهارات والكفاءات القادرة على الاجتهاد للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الموارد البشرية القادرة على انجاز مسارات التحديث الثلاث.
الحوار واختلاف الرأي لا يفرق لكن يجب المكاشفة فيه عن ما يهمنا مما نعانيه والمسكوت عنه وكيفية تعديله وتصحيحه.
بقاء مستوى الحوار ضمن نمطية همس القرايا وعكسها في المرايا على شكل الاشادة والمجاملات لشخصيات تسوق انجازات غير موجودة أو السكوت عن فئات تحترف الانتقاد وتوجيه التهم والتشكيك والمعارضة لأجل المعارضة وكل فئة من هؤلاء الفريقين يسعى إلى البقاء على ساحته وفوق مساحته والحفاظ على حصته والمفاوضة لاحقا على مكتسباته، فهذا يعني أننا نكتب لأجل الكتابة فقط ونكتب لنقول أننا نبذل جهد ونجتهد دون عكس صورة المرآة الحقيقية، لكل ما يراد له أن ينبض ويعيد بناء وطن فتي قوي يؤمن بالنهج المؤسسي والفكر الاستراتيجي المرتبط بمسار مرحلي له اهداف تنجز وفق برنامج زمني محدد.