راقَبَ عن كثب!
بشار جرار
من الديباجات التي ما زالت حاضرة في نشرات الأخبار لدى بعض وسائل الإعلام التقليدي، الإصرار على استخدام أدوات التنبيه! لهذا التنبيه أو التذكير وقع خاص في الأخبار المثيرة للاهتمام المشوب بالحذر أو القلق، كالقول بعد «هذا» التنبيهيّة، بما يفيد بمتابعة «آخر التطورات عن كثب»!.
مذ تفتّق ذهن الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض في ثاني سابقة منذ قرن ونيّف، دونالد جيه ترامب عن تأسيس وزارة مهمتها «التفنيش» بالمصطلح الخليجي المعرّب من كلمة «فِنِشْ» النهاية أو الأصح الإنهاء، فإن مهام «دوج» -بواو ممتدة- لوزارة الكفاءة الحكومية- ستعني فقدان آلاف مؤلفة لوظائفهم بين موظفين حكوميين وآخرين متعاقدين، ناهيك عن إغلاق هيئات مستقلة بأكملها إضافة إلى وزارات من بينها وزارة التعليم التي استحدثها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في سبيعينيات القرن الماضي.
للأمانة، ما من شيء مؤلم وما من قرار أصعب على المدير أو الوزير من اتخاذ قرار بإحالة موظف إلى التقاعد فما بالك إن كان في الأمر تخفيض للرواتب أو تجريد من الصلاحيات والعطايا التي ترافق بعض العقود، والأمر الأكثر أهمية وخطورة هو ذلك القرار بإنهاء الخدمات سواء كان الأمر من باب «ما كان باليد حيلة» أو الاختيار بين أقل الضررين، أو كان تأديبيا جراء خطيئة أو غلطة ثقيلة استوجبت ثمنا يردع الآخرين به.
الأمر في الحالين كبير. وأكاد أجزم أن العالم بأسره يراقب ويرقب عن كثب مدى نجاح أو إخفاق تجربة المسؤولين المساءلين في أعلى درجات الشفافية أمريكيا وعالميا على تحقيق المهام بأمانة واقتدار (كفاءة). إيلون ماسك و فِفِكْ راماسماوي ليسا بحاجة إلى موافقة الكونغرس كونهما ليسا موظفين في الإدارة الأمريكية من الناحية القانونية لكنهما لن ينجحا وسيفشلان فشلا ذريعا ما لم يتعاون معهما الحزبان وليس الجمهوري فقط وإن استحوذ على غالبية السلطات الثلاث. القضية تتعلق بما هو أكبر من الوفر المالي أو الكفاءة في الإنفاق والتوظيف، القضية تصب في صميم قطاعات كثيرة من بينها الأمن والدفاع، بعد فشل البنتاغون على سبيل المثال في مطابقة المواصفات الأمريكية في تدقيق موازنة وزارة الدفاع، سبع مرات متتالية!.
تخيلوا إخوتي الكرام لو راقبنا -عن كثب- هذه التجربة كل من موقعه وحسب اختصاصه؟ هل نراقبها على مدى عامين على الأقل بتشكيك وقلق، أم رجاء وأمل؟ ملامح الحرب الضروس بدأت تتكشف للرأي العام تحت عناوين شتى من بينها الخوف على «مصداقية الجهاز الحكومي والهيكلية الفدرالية»، بحسب الرئيس الأمريكي «الديموقراطي» الأسبق بيل كلينتون.
كاتب هذه السطور من الفريق الثاني وبأعلى درجات الإيمان والرجاء بأن استمرار الوضع الراهن في كثير من الملفات ضرب من المستحيل خاصة تلك المتعلقة بالحاجات ولا أقول الخدمات الرئيسية وفي مقدمتها الأمن والأمان بالمفهوم الشامل العميق والمستدام. كالأمن الأسري والمجتمعي والوطني. تبيّن مثلا أن العودة إلى الجذور والأصول فيه وفر وأمن، خلافا لثقافة عملت على مدى عقود على تدمير الحدود باسم العولمة وقبول الآخر، أي آخر حتى وإن كان على حساب البلاد، وأهلها الأصليين والشرعيين.
بضبط الإنفاق والإدارة تنتظم أمور كثيرة لما فيه خير الجميع. تلك تجربة بإمكاننا مراقبتها عن كثب والاستفادة منها عن بعد، بصرف النظر عن الإخفاق، أو النجاح التام بعون الله.