"خيانة" على هامش حادثة الرابية .. صمت عقابي مؤقت.. وأين السفارة في بيان الأمن؟
فرح سمحان
ليست المرة الأولى التي تُثار فيها المجادلات والمشاكسات الأمنية في منطقة الرابية غرب العاصمة عمّان، ذلك المكان الذي يجمع أبناء الطبقة المخملية على مقربة من مقر السفارة الإسرائيلية التي دائمًا ما تستحوذ على اهتمام من يريدون خلط الماء بالزيت لتطفو على السطح فتن التكهنات والاتهامات، تحديدًا إذا ما ارتبط الأمر بحالة التوتر التي سادت في المملكة لأكثر من عام نتيجة الأوضاع الراهنة في الأراضي المحتلة وقطاع غزة على وجه الخصوص، وهنا يعود الشريط بحادث الاعتداء الذي وقع فجر اليوم ، ووصفته الحكومة على لسان ناطقها الإعلامي "بالعمل الإرهابي" وطبقت قواعد الاشتباك على المنفذ حتى قُتل، إلى اعتداءات مشابهة وقعت في محيط السفارة الإسرائيلية وارتبطت حينها بتظاهرات ووقفات احتجاجية وتضامنية مع غزة، الأمر الذي يدفع البعض للتشكيك بالرواية الرسمية التي أوضحت ضمنيًا أن ما حدث مجرد ارتكاب لفعل فردي جبان لا يمثل أي طرف آخر.
بيان الأمن العام الذي نشر منذ الساعات الأولى لوقوع الحادثة بدأ يفسر للمواطنين أن ما حدث اعتداء على رجال الأمن الذين تواجدوا في المنطقة، ولم يظهر بالقول الواحد المفصل أن منفذ العملية كان يريد الاعتداء أو محاولة إطلاق أي متفجرات أو مواد يحملها باتجاه السفارة الإسرائيلية ، ولاحقا تم التوضيح أن القصد من الحادث كان بهدف قتل رجال الأمن، ما يعني أن المنفذ كان قد حدد وجهته، وأراد الاشتباك مع أفراد دورية أمنية، ومن الطبيعي أن يصنف الحادث على أنه عمل إرهابي طالما أن المستهدف رجال أمن أو حتى منطقة أو مواطنين وما إلى ذلك ، فيما كان الوصف سيكون مختلفًا لو كان الاعتداء على السفارة الإسرائيلية على الأقل عند الشارع، خاصة إذا ما اقترن الأمر بأن أي فعل من شأنه إلحاق الضرر بما يخص الاحتلال، فهو حينها عمل لا يقل عن كونه بطولة وجرأة وتضحية.
حتى الآن لم تخرج البيانات عن إطار الإدانة والاستنكار من مسؤولين و جماعات وأحزاب يرون أن الحادث ما هو إلا اعتداء جبان مع وصف من يقفون خلفه بالخون وأصحاب الأجندة الخارجية، ويأتي هذا المصطلح على العموم لتفسير الحالة التي لا تخرج عن كونها محاولات من الغُرباء لزعزعة الاستقرار والسكينة الداخلية في المملكة ، في وقت تشتعل المنطقة بالصراعات والتكتلات ومحاولة زج الأردن في طبخة المؤامرات والتقسيمات وهي قناعة راسخة عند المكون الأردني ، ما يطرح تساؤلات عن موقف ورأي الأحزاب التي تحسب على المعارضة وأبرزها جبهة العمل الإسلامي، الذي لم يخرج حتى اللحظة بأي رد قد يوفر على أحدهم عناء التفكير والتحليل، لكن هذا قد يبدو على أنه محاولة من الإخوان لدراسة أي بيان من الجوانب كافة قبل الخروج به على اعتبار أن جميع الأنظار تتمحور حولهم وعليهم.
ما يساعد الأردن في مثل هذه الأزمات هو ثقة المواطن بالمؤسسات الأمنية وروايتها حتى مع وجود تساؤلات ليست بريئة عند البعض، والموقف الرسمي لديه من الصرامة والجدية ما يكفي لرفض أي اعتداء على رجال الأمن أو الأجهزة الأمنية بشكل عام، كونها أكبر من مجرد مؤسسات دولة، وإنما انعكاس لصورة الأردن واستقراره في الخارج، وبالتالي جاءت البيانات الرسمية لتوضح بشكل أكبر من يقف خلف الاعتداء وسجله الجرمي، وتاريخه الحافل بقضايا مخدرات وغيرها، من دون الاسترسال أكثر حول من يكون أو من يقف خلفه، وهذا قد يدفع التحقيقات للخروج لاحقًا بمعلومات أوفى تشبع فضول الشارع الأردني ، وتكون كفيلة بوضع اللاصق الشفاف على أفواه هؤلاء الذين يريدون "قسم العرب عربين" ، وتحويل الحادثة على أنها خيانة داخلية من أطراف وجهات معينة.