ما أجمل التكريم من الكريم

د. ماجد الخواجا

« غزّة كانت أكبر سجن مفتوح في العالم، لكنها الآن أكبر مقبرة مفتوحة في العالم» جوزيب بوريل

حين وصلتني رسالة لدعوة عبر الواتس لحضور منح دكتوراه فخرية في العلاقات العامة لشخص أوروبي في الجامعة الأردنية الزاهرة، ترددت في الحضور لعدم معرفتي بشخصية المنوي تكريمه والمغزى من منحه الدكتوراه الفخرية. وقلت لنفسي أن هناك ناسا في عزّ وناس في عزاء، لكن بقي ثمة فضول ورغبة خاصةً وأن الدعوة من شخص بمستوى رئيس الجامعة الأردنية، تردد انتابني عن مبرر مثل هذه الاحتفالية وسط ظروف المنطقة العصيبة ومحنة غزة الحبيبة السليبة، فقررت الذهاب واتخاذ القرار بالحضور من عدمه عند الوصول لمكان الاحتفال.

حين دخلت قاعة استقبال الضيوف، دهشت من نخبوية الحاضرين، فليس معتاداً اجتماع أربعة رؤساء وزراء سابقين في فعالية واحدة، إضافة لعديد من الوزراء وكبار المسؤولين، مع عناية خاصة تظهر درجة الاهتمام بالاحتفالية.

حين بدأت الاحتفالية، شاهدنا مقاطع فيديو تتحدث عن شخصية المكرم، اسمه « الدكتور جوزيب بوريل فونتيليس» يشغل منصب نائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، اسباني من كاتالونيا، رجل مخضرم في السياسة، حتى أنه يلقب برمز أوروبا السياسي. في احدى اللقطات ظهر الدكتور جوزيب وهو يصرّح بأن: « غزة كانت أكبر سجن مفتوح، لكنها الآن أكبر مقبرة مفتوحة».

لقد لاحق الكيان الصهيوني هذا الرجل كما هو الحال مع كل رجل حر منحاز للإنسانية، واتهمته بمعاداة السامية، تهمة مصنّعة معلّبة متعسفة غير مفسّرة وجائرة يتم استغلالها أبشع استغلال لتحقيق المآرب الخبيثة من زعم أن السامية مقصورة عليهم وأن أية خصومة معهم هي عداء واعتداء ضد السامية.

كنت أريد مجاملة رئيس الجامعة بمجرد المرور ثم المغادرة، لكنني وجدت نفسي أتابع الفعالية حتى النهاية. فهذا العالم المكتظ بالشرور والاستقواء، بحاجة لمن هم بمكانة هذا الرجل الذي كان من السهل عليه إبداء التأييد للصهيوني أو في أقل الأحوال السكوت وعدم إعلان الوقوف بجانب الحق الفلسطيني، لكنه قالها ومضى، لم يأبه كثيراً لامتيازات شخصية قد يخسرها أو لضغوطٍ قويةٍ يتعرض لها. هنا نتوقف إجلالاً وفرحاً بمثل شخصية بوريل الذي أعلنها بصراحة ودون مواربة أن ما يجري في غزّة تحديداً هو حرب ضد الطفولة عندما تقوم قوات الصهاينة بقتل 50 طفلاً كل يوم.

لم تكن الجامعة الأردنية يوماً إلا منارةً لكل إنسانية وخير وحق، وهذا الأردن الذي عهدناه في كافة مواقفه عروبياً إنسانياً، فكانت احتفالية كبيرة بحجم ومكانة الأردن العربية والدولية، ولم يكن غريباً حضور دولة رئيس مجلس الأعيان الفايز ودولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة ودولة الدكتور عبد الله النسور ودولة الدكتور عدنان بدران والعديد من كبار الوزراء والمسؤولين للمشاركة في تكريم من يليق به التكريم.

حقاً كانت أمسية مفعمة بالإنسانية التي يكاد البشر أن يفتقدوها في ظل حروب واعتداءات همجية وعبثية وخارجة عن كافة القوانين والأعراف الإنسانية.

شكرا للجامعة الأردنية الرائدة المبادرة لمثل هذا التكريم، وشكراً لكل من يساهم ويدعم الانحياز للحق والخير والإنسانية.