الردع.. دفاعاً عن «الأردن العظيم»
بشار جرار
تبدّل الباطل وتغيرت أشكال أهله في زماننا إلى حد يتطلب تطوير آليات التصدي وأكثرها فاعلية تلك الوقائية الاستباقية.
قبل أيام تناقلت وسائل «التناحر» الاجتماعي كلاما مسيئا تم عرضه وتداوله على سبيل التعددية في نقل ردود أفعال الناس، على إجراء تنظيمي يخص تعامل «الأمانة» مع اعتداء على المُلكية العامة في إحدى مناطق عاصمتنا الحبيبة عمّان.
قد يكون من الطبيعي الانفعال خاصة إن كانت الجهة التي تستطلع آراء الناس تحركها أجندة مسبقة قد تكون عدائية أو مجرد أداة لاهثة وراء إثارة تجلب الإعجابات وتثير التفعلات على أمل التكسّب ولو كان كما أموال السحت الحرام. نعم حرام الاتجار بانفعالات الناس وتحويل الإحباط أو سوء الفهم أو السلوك، إلى قضية سياسية أو أمنية لا قدّر الله. كثير من الأزمات المفتعلة تتحول إلى حقيقية بفعل أحمق.
ليس من حق مدّعي حرية التعبير استدراج ما يلبي أجندات الممولين ورعاة الاعلانات التجارية السنوية أو الموسمية أو الباحثين عن نصر زائف بالحصول على درع «باركيه» أو «كرتونة» لصنع نجومية زائفة. بعض الدخلاء على مهنة «البحث عن المتاعب» لا يعرفون سوى الإثارة المجافية للحق والمنافية للحقيقة في كثير من الأحيان.
يبقى الصحفي مسؤولا عما يعرض من الآراء فتلك أمانة، وإلا صار كل ناقل لمحتوى، صحفيا أو إعلاميا! من غير المقبول تسلل الافتراء من خلال بوابة استفتاء الجمهور! ولا البذاءة مقبولة باسم الجراءة، ولا التنمر تحت غطاء التذمر. حتى وإن كانت القضية موضع الشكوى قضية عادلة، ليس من حق من يدعي المظلومية الإساءة مثلا لجهة رسمية أو أهلية، فما بالك إن كانت الجهالة والتطاول بحق الوطن والشعب وبأثر رجعي يصل إلى أكثر من نصف قرن.
قبل الحقوق ثمة واجبات. ولمن أراد القول بعكس ذلك لا بأس. جميع الواجبات يترتب عليها حقوق، و»الحق يعلو» دائما وأبدا. حسن الوفادة، الضيافة، الإغاثة، يفترض أن يقابل بصون الجميل، فلا يكون أقل من الانتماء والولاء والتوقير والتبجيل. من أغاث وصان وحمى الحرمات في أوقات الشدة والعوز، ليس كمن تعامل مع عصابات الاتجار بالبشر وبحار الموت كما شهدنا مع ضحايا مهاجري ونازحي ما سمي زورا وبهتانا «الربيع العربي» من إخوتنا الذين دمرت أوطانهم «جمعات وتنسيقيات» الفوضى الهدّامة.
أي تجاوز على الآداب العامة فيما يخص طرح أي قضية أمام وسائل «إعلام» في زمن فضائيات ومنصات التأليب المغرض والبلبلة الموجهة -بفتح الجيم وكسرها- لا بد أن يواجه باشتباك إيجابي يبدأ بإماطة اللثام عن الباطل وأهله. من أساء الأدب وأثار الفتنة ينبغي عقابه بحسب القانون وعلانية بإشهار اسمها او اسمه الرباعي، و»لا تزر وازرة وزر أخرى». لكن من المهم كشف المسيئين أمام الرأي العام، حتى تنكشف سوءاتهم ويعرف الناس أن الحق قادر على الرد المُفحِم المُلجِم.
لا يجدي نفعا مع من يتطاولون على «الأردن العظيم» كما جاء في المنطوق السامي في خطاب العرش الإثنين الماضي، لا ينفع معهم الحياء، لأنهم لا يخجلون «على أنفسهم» فيجاهرون في أسوأ ما في صدورهم من غل ونكران للجميل. من حق المستائين من اسطوانة الإساءات المتكررة في الفترة الأخيرة، من حقهم أن يتجاوز الأمر مجرد الرد في خانة التعليقات والتي لا تظهرها تلك الوسائل «الإعلامية»، وتكتمها لوغرتمات صممت خصيصا لنشر البذاءة لا لمكافحتها رغم مزاعمها بمحاربة خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
من المرجو أن يتولى خبراء مكافحة الجرائم الإلكترونية بتأديب هؤلاء الشرذمة وفقا للقانون. والعشم أكبر بالعُرف الذي هو دائما أقوى من القانون في المجتمعات البشرية وعبر التاريخ، ألا وهو التعامل الاجتماعي الواعي والمدروس، الكفيل بطرد هذه الطّغمة من حثالة المسيئين المتطاولين، سواء جاء فحيحهم ونعيقهم ونباحهم من الداخل أو الخارج، تحت أي ذريعة كانت.
المطلوب بصريح العبارة، الكف عن التسويف في التعامل مع تلك الفئة الباغية، فمن لا يصون جوازا أو رقما وطنيا أو إقامة تحت أي مسمى كان، لا بد من التعامل معه حسب الأصول وضمن القوانين المرعية والتي قد يكون من المناسب تحديثها عبر المؤسسة التشريعية بما يردع الذين في صدورهم مرض ورؤوسهم الحامية خواء. من الجميل أن يبادر مشرعون وطنيون -والجميع خير وبركة والكل للوطن والعرش والمليك المفدى- في استصدار تشريعات تحمى الأردن العظيم من الإساءة والتطاول. مبادرة الأعيان في بهذا الصدد خير، ومبادرة النواب خيرين لاعتبارات لا تخفى على القارئ الحكيم. فضل الأردن علينا كبير، فلا أقل من أن نكون شاكرين حامدين..