نهاية «العالم الجديد» القديم
فيصل الشبول
بسبب إسرائيل، ومن أجل إسرائيل، توشك الولايات المتحدة أن تنهي «العالم الجديد» الذي أعلنت وحلفاؤها المنتصرون قيامه مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.
انتهى العالم القديم في حينه، عالم شهد عقوداً من الحروب والقتل والدمار والكراهية والاصطفافات وانتهى باستخدام السلاح النووي.
تصدر الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المتطرف المقال يوآف غالنت.
يكشف القرار عن المزيد من التطرف الإسرائيلي الشامل، إذ يتسابق زعيما المعارضة بيني غانتس ويئير لابيد للرد على الجنائية الدولية. يسبقان نتنياهو والمتطرفين في حكومته.. يزاودان على التطرف.
يقول غانتس إن القرار «عار تاريخي لن يمحى أبداً»، أما لابيد فيعتبره «مكافأة للإرهاب»، في حين اعتبره رئيس دولة الاحتلال اسحق هرتزوغ «يوماً أسود للعدالة والإنسانية».
بفضل قرار الجنائية الدولية، أظهرت إسرائيل وجهها الأكثر بشاعة. لا فرق بين يميني ويساري، ولا بين شرقي أو غربي. العدالة الوحيدة المقبولة بالنسبة إليهم أن يكونوا فوق القانون وفوق الشرعية الدولية، أن يعيشوا في عالم يحاسب الجميع إلا الساميين.. وهم وحدهم الساميون.
قبل أقل من يومين من قرار الجنائية الدولية، كانت الولايات المتحدة عطلت مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف الحرب. مجرد وقف الحرب.
بالنسبة للإدارة الأميركية، فإن وقف الحرب مسألة فيها نظر، صارفة النظر عن حجم القتل والدمار والمأساة الإنسانية.
بعد أقل من ساعتين من إعلان قرار الجنائية الدولية كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتوعد المحكمة الدولية «المعادية للسامية» وفق تعبيره، برد قوي مطلع العام المقبل.
بالإضافة إلى التسليح بلا حدود ودعم سلسلة الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها إسرائيل ولا تزال، وكذلك الحماية المباشرة في الميدان العسكري، وفي «المجتمع الدولي»، ترفض الولايات المتحدة أي مساءلة لإسرائيل وتعتبر كل جرائمها قابلة للنقاش ولو بعد عقود.
تأخر رد البيت الأبيض ساعة إضافية ليعلن موقفه المناهض لقرار الجنائية الدولية وليعتبره الرئيس جو بايدين «قراراً شائناً».
في زمن «العالم الجديد»، وفي العقود الثلاثة الأخيرة منه، أصبحت البشرية تحت قيادة القطب الواحد، وصارت منظمة الأمم المتحدة التي أنشئت لتكون عنواناً للاستقرار والسلم الدوليين مجرد منتدى عالمي يقال فيه الكثير وتتخذ فيه القرارات ولا يطبق سوى القليل، وبانتقائية شديدة الوضوح والتمييز.
إن تهديد مستشار الأمن القومي للإدارة الأميركية الجديد الموجه إلى الجنائية الدولية، إن تم تنفيذه فعلاً سيعني نهاية «العالم الجديد» والانتقال إلى عالم جديد من نوع آخر.
سنكون أمام عالم أكثر فوضى من العالم القديم الذي سبق الحرب العالمية الثانية، عالم يسوده منطق القوة فحسب، لا قوانين ولا أخلاق ولا إنسانية فيه.
فما الذي يمكن أن يقف في وجه «العالم الجديد جداً» الذي أصبح وشيكاً؟.
وقفت العديد من دول العالم القديم إلى جانب الشرعية الدولية مؤيدة قرار الجنائية الدولية، إذ سارعت دول الاستعمار القديم (أوروبا) إلى التعهد بتنفيذ القرار ومعارضة الانتقائية في تطبيق قرارات المحكمة الدولية، بعضها أعلن أنه يدرس القرار.
ربما تشكل هذه المواقف بصيص أمل، لأنها تصدر عن القارة العجوز التي أرهقتها السياسات المتغطرسة طول العقود الثلاثة الماضية ولا سيما خلال الأعوام الثلاثة الماضية جراء الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
غير أن الموقف الأوروبي، على أهميته، لن يكون كافياً أمام الخطر الوشيك الآتي.
ربما تُحدث مواقف الدول الكبرى في آسيا، مآلات الحرب الروسية الأوكرانية، والصين والهند وكوريا الشمالية، وكذلك دول في أميركا الجنوبية وبعض الدول الإفريقية (جنوب إفريقيا هي من رفعت القضية لدى المحاكم الدولية)، فارقاً في مواجهة الواقع الجديد.
لكن السؤال المهم الذي تستعصي الإجابة عنه اليوم، هو حول المواقف العربية مما يجري. فهل يستطيع العرب، بعد كل هذا التشظي وضعف النظام العربي وتباين المواقف أن يُحدثوا فرقاً؟