صرخة تحت الركام: أطفالٌ يواجهون الموت بصمتٍ يزلزل السماء

يحيى الحموري
تحت ظلال الدمار القاسية، وبين أطلال الأبنية التي كانت يوماً حضناً آمناً، تختلط الأنفاس الأخيرة بصرخات بريئة، تختفي شيئاً فشيئاً تحت وطأة الركام. أطفالٌ في عمر الورود، لم يعرفوا من الحياة إلا لعباً وضحكاتٍ تخنقها الآن غبار الحرب وصرير الخراب. من كان يظن أن أصواتهم، التي كانت تملأ الأحياء بهجة، ستتحول إلى استغاثاتٍ مكتومة تسمعها الأحجار ولا تُحرّك قلب الإنسانية؟

هناك، في الظلام الدامس، تهمس قلوب صغيرة بلغة الموت: "أنقذونا!” لكن لا يد تمتد إليهم، لا حضن يضمهم، ولا رحمة تنتشلهم. كم من طفلٍ الآن يتشبث بحياةٍ لا يراها، ينادي أمه التي دفنها الموت بجواره، يحاول أن يحرك جسده المثقل بالغبار والدماء، لكن الجدران تصر على خنقه، وكأنها تطالب العالم بالصمت المطبق الذي يلف الجميع.

أي ألم هذا الذي يُترجم في عيونهم الممتلئة بالدموع؟ أي قهرٍ يزرعونه فينا دون أن ندري؟ كل دمعةٍ تسقط من عيونهم تطعننا ألف طعنة. كل شهقةٍ مكتومة تصرخ في أعماقنا: "ماذا فعلتم بنا؟ أين كنتم حين سقطت السماء فوقنا؟”

إننا أمام مشهدٍ يتجاوز الخيال، تتقزم أمامه كل كلماتنا، وتنحني الأقلام وهي تحاول وصف فجيعته. أطفالٌ وُلدوا للحياة، فتسابقهم المآسي نحو الموت. كيف تجرأ العالم على أن يغض الطرف عنهم؟ كيف سمحنا لأنفسنا أن نصبح شهوداً صامتين على مأساةٍ تسلب البراءة حياتها وتقطع أوصال الطفولة بلا رحمة؟

ألا تسمعون؟ تلك الأصوات المنبعثة من تحت الأنقاض ليست مجرد استغاثات. إنها لعنةٌ تطاردنا، ونداءٌ يحاسبنا. كل لحظة تأخير في إنقاذهم هي حكم بالإعدام على أرواح بريئة، هي وصمة عارٍ في جبين الإنسانية التي فقدت إنسانيتها.

يا قلوباً قد قست، يا عقولاً قد سكنت في برودها، تذكروا أن هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقامٍ في نشرات الأخبار. هم أحلامٌ لم تكتمل، قصصٌ لم تُكتب نهاياتها، حكاياتٌ توقفت عند فصل الدمار.

قفوا لحظةً أمام هذا المشهد، وأجيبوا بصراحة: أي ذنبٍ ارتكبوه ليكون مصيرهم كهذا؟ أي جرمٍ فعلته تلك الأجساد الصغيرة لتصبح طعاماً للركام؟

إنها مأساةٌ تقف الكلمات عاجزة أمامها، لكنها ستظل شاهدةً على عارنا الأبدي. اللهم لا تُحاسبهم على تقصيرنا، ولا تُحمّلهم وزر قسوتنا، وارحم ضعفهم وقلوبنا التي باتت تُبكيهم ولا تُنقذهم.