كلام عن أخطر تيارين في الأردن
ماهر أبو طير
هناك تياران في الأردن يتحدثان بصوت خافت في الغرف المغلقة، ولكل تيار وجهة نظر، بشأن الحرب على غزة وتأثيرها على الأردن، وما يرتبط بكلفة عودة ترامب للرئاسة الأميركية.
التياران لا يجاهران برأييهما علنا، تحوطا من ردود الفعل، ويعتقدان على الرغم من التناقض بينهما، أن وصفة الحل تكمن لدى كل واحد منهما، هذا على الرغم من أنهما لا يمثلان توجها رسميا، لكن بطبيعة الحال لهما علاقات واسعة، وربما بعض الامتداد والنفوذ هنا وهناك.
الأول يقول إن الأردن ليس قادرا على الوقوف في وجه المخططات ولن نستطيع تحدي واشنطن ولا تل أبيب ولا مَن معهما في الإقليم، وإن شبكات الحماية غير متوفرة عربيا ولا دوليا، وإن إسرائيل في نهاية المطاف ستفرض على الأردن التعامل مع ملف أهل الضفة الغربية إما بالتهجير الكامل إلى الأردن، أو إجبار الأردن عبر واشنطن على إدارة سكان أهل الضفة من خلال حل شكلي بين الأردن وما تبقى من السلطة، وإن الأردن ضعيف ومدين، وعليه أن يكون منطقيا حتى لا يتم العبث باستقراره، ولا خلخلته، أو إقامة دولة فلسطينية فيه، وأن الحل الوحيد هنا، التجاوب مع الضغط وليس الوقوف في وجهه، وتحسين شروط أي تسوية، حتى لا يتم فرضها علينا، بدون أي شروط، أو فوائد سياسية أو مالية، كون الحل على حساب الأردن مقبل في كل الأحوال، فلماذا لا نكون جزءا منه بشروط جيدة، بدلا من تحديه ودفع الثمن، خصوصا، ونحن نرى محرقة الدول والشعوب.
الثاني يقول إن الحل في وجه التحديات والضغوطات وأزمات الإقليم، إغلاق الأردن وعزله، فلماذا سندفع ثمن قضية شعب آخر، ولماذا نتفاعل مع الوضع بشكل زائد، ولنعتبر أن ما يجري في غزة والضفة شأن قد يحدث في جنوب "اشكوزيا العظمى"، أو في جزر "الويكي ويكي" حيث أن حماية مصالحنا الوطنية تفرض اليوم الانسحاب من ملفات كثيرة، وليخلع الفلسطينيون شوكهم بأيديهم، أو كمال يقال "فخار يكسر بعضه" وهذا الرأي يقول أصحابه إن كل من بالأردن هم من الأردنيين ما داموا يحملون الهوية الأردنية، ويحترمون أردنيتهم، أيا كانت أصولهم ومنابتهم، فلا فرق، لأن الأولوية اليوم، أن نحمي الداخل الأردني فقط، ونحافظ على أنفسنا في كل المدن والقرى والبوادي والمخيمات، وأن نجاة الأردن تكمن في التشارك بخريطة التغيرات والسلام الإقليمي، والمشاريع الاقتصادية الكبرى، لضمان البقاء طرفا أساسيا، ويرى أصحاب هذا الرأي أن الانعزال هنا ممكن برغم أنه يقال لهم إن هذه استحالة لكون تل أبيب وواشنطن لن تتركا الأردن في حاله، ولأن الجغرافيا وكلفتها وتداخلها، وتأثيرها الجيوسياسية والديوغرافية تمنع الانعزال أصلا، حيث لن تقبل واشنطن وتل أبيب هكذا تصور.
في كل الأحوال لست في وارد الرد على أصحاب أي اتجاه، لكن ظهور هكذا اتجاهات بشكل نخبوي بعيدا عن الأعين يؤشر على إدراكات التحديات القادمة، ولأننا لا نسمع عن خطة محددة، ولا تصور لما قد يأتينا على الطريق، يتخاطف كثيرون وصفات الحل، وبعضها منطقي، وبعضها الآخر انتحاري وغير مسؤول، لكن المشترك بين كل هذه الاتجاهات وغيرها أننا جميعا ندرك أن واشنطن تعتبر الأردن مفتاح الحل للقضية الفلسطينية، بمعنى تصفيتها، وليس من زاوية تحقيق العدالة لشعوب المنطقة، ووقف الحروب، ومنح الفلسطينيين حقوقهم.
نحن بحاجة إلى خطوة داخلية من نوع مختلف، تتجاوز الركون إلى دور المؤسسات وضماناتها ودور المؤسسات التمثيلية أيضا من برلمان ونقابات وأحزاب، للتوافق على الثوابت، وتحديد الأخطار، والحلول، بما يؤدي أولا إلى تعزيز تماسك الداخل الأردني، ومن أجل ألا يباغت الأردني بمرحلة يقوم البعض بالتهوين منها، حاليا، من خلال بث التطمينات، وهو أمر يرفع المعنويات بشكل ساذج، لكنه لا يقف في وجه الأزمات فعليا.