وزير دفاع ترامب
إسماعيل الشريف
«لا يوجد سبب يجعل معجزة إعادة تأسيس الهيكل على جبل الهيكل غير ممكنة» – بيت هيغسيث، المرشح كوزير دفاع في إدارة ترامب.
أغفلتُ في مقالة يوم أمس، التي حملت عنوان «مستقبل الضفة»، الإشارة إلى إحدى الشخصيات البارزة المرشحة ضمن إدارة ترامب، وهو بيت هيغسيث، المرشح لتولي منصب وزير الدفاع. لكن حتى الآن، تتردد إدارة ترامب في ترشيحه رسميًا لسببين رئيسيين:
الأول، أنه يخضع لتحقيقات تتعلق باتهامات بجرائم اغتصاب تعود إلى عام 2017.
والثاني، دعمه غير المحدود للكيان الصهيوني ومواقفه المتشددة.
في ولاية ترامب الأولى، عمل معه كل من جيم ماتيس ومارك إسبر كوزيري دفاع، إلا أن العلاقات بينهما لم تكن على وفاق. تبادل ترامب معهما الاتهامات، ووصفهما لاحقًا بأنهما «رجلان سيئان» ومحسوبان على المحافظين الجدد، بينما انتقداه بدورهما علنًا. لذلك، يسعى ترامب هذه المرة لتعيين وزير دفاع يتوافق معه تمامًا، حتى لو كان هذا الوزير يحمل سجلًا مثيرًا للجدل!
مع ذلك، أعتقد أن تهمة الاغتصاب ليست السبب الرئيس وراء تردد إدارة ترامب، فبلادهم قامت بأكملها على اغتصاب أراضي الآخرين، ودعمت كيانًا مغتصبًا يمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة. لكن المسألة الحقيقية تكمن في أسباب أخرى.
تُواجه ترشيحات بيت هيغسيث انتقادات واسعة في المؤسسة العسكرية الأمريكية. تُعتبر خبرته العسكرية متواضعة مقارنة بحجم المسؤولية التي يتطلبها منصب وزير الدفاع. فقد خدم كضابط مشاة في الحرس الوطني بولاية مينيسوتا، وشارك في مهام في كوبا، ثم تطوع للخدمة في العراق كقائد فصيل، وعمل في سامراء كضابط عمليات مدنية وعسكرية. ورغم حصوله على بعض الأوسمة، فإن كثيرين يرون أن هذه التجربة لا تكفي لإدارة أكبر مؤسسة بيروقراطية في العالم، تضم 2.3 مليون عسكري ومدني. يُفسر البعض هذا الاختيار برغبة ترامب في تعزيز السيطرة على الجيش والتركيز على الشؤون الداخلية.
كما أن توجهات هيغسيث السياسية تُثير مخاوف إدارة ترامب. فهو يدعو إلى المواجهة العسكرية مع إيران ولا يؤمن بالحلول الدبلوماسية. دعم اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، ويُروّج لنهج أكثر تصعيدًا تجاه إيران.
وفيما يتعلق بمنطقتنا، فهناك أربعة ملفات رئيسة فشلت إدارة بايدن في إدارتها: حرب غزة، وحرب لبنان، والتطبيع، والبرنامج النووي الإيراني. وقد لعبت وزارة الدفاع الأمريكية دورًا رئيسيًا في هذه الملفات خلال عهد بايدن، ومن المرجح أن يتزايد تدخلها فيها، خاصة في الملف الإيراني.
هيغسيث معروف بمواقفه المتشددة تجاه القانون الدولي، إذ يرى أن اتفاقيات مثل اتفاقية جنيف، التي تهدف إلى تقييد الحروب والحد من وحشيتها، قد عفا عليها الزمن. وقد كان له دور بارز في إقناع ترامب بالعفو عن ثلاثة جنود أمريكيين متهمين بإطلاق النار على مدنيين في العراق. كما يُعد من المدافعين الأقوياء عن معتقل غوانتانامو واستمرار استخدام أساليب التعذيب فيه.
أما دعمه للصهاينة، فيتجاوز الحسابات السياسية والمصالح الاستراتيجية. فهو يؤمن بأن اليهود هم «شعب الله المختار»، وأن الصهيونية والأمريكية تمثلان الخط الأمامي للحضارة الغربية. ويرى أن «التطرف الإسلامي» يشكل تهديدًا أخطر من التغيرات المناخية، حتى أنه انتقد الجامعات الأمريكية لاهتمامها بتدريس البيئة بدلًا من التحذير من التطرف الإسلامي. وهو الذي دعا علنًا إلى تدمير غزة.
لهذا السبب، يُعد نسخة أكثر تشددًا من سيء الذكر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، الذي أشعل الحروب وأيّد الانقلابات، وضرب بعرض الحائط جميع القوانين والمؤسسات الدولية، حتى أن ترامب نفسه لم يستطع التعامل معه.
وإذا ما انضم هيغسيث في نهاية المطاف إلى إدارة ترامب، فسنرى ثلاثة مناصب رئيسية ذات تأثير مباشر على منطقتنا يشغلها داعمون أقوياء للصهاينة: وزير الدفاع، ووزير الخارجية، والسفير الأمريكي في الكيان الصهيوني. وأعتقد أن وجود هيغسيث سيكون عقبة أمام التطبيع بين السعودية وإسرائيل، خاصة أن السعودية تشترط إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وسيكون حجر عثرة في تحقيق ذلك.
صحيح أن ترامب يرغب في تعيين وزير دفاع يتماشى مع توجهاته المتشددة، لكن هناك تيارًا آخر داخل إدارته، يتألف من مستشاريه الكبار ونائبه، اسميته بمقالة الامس بـ»التيار الانعزالي»، الذي يركز على رؤية «أمريكا أولًا» ويفضل تقليل التدخل الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط. هذا التيار قد يعارض تعيين وزير يتبنى مواقف متشددة تزيد من تورط الولايات المتحدة في المنطقة.