مجلس جديد.. مرحلة جديدة.. فما المطلوب؟
عوني الداوود
يفتتح جلالة الملك عبدالله الثاني اليوم بخطاب العرش السامي أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين في المجلسين (الأعيان والنواب) مجتمعين.
خطاب العرش السامي يشكّل خارطة طريق ومنهاج عمل للسلطتين التشريعية والتنفيذية، ويركّز عادة على أولويات المرحلة، خصوصًا في القضايا الداخلية التي تهم المواطنين، وعلى ثوابت الدولة الأردنية، خاصة تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
أهمية الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين تكمن في كون المجلس مختلفًا تمامًا هذه المرة عن باقي المجالس من حيث:
1 - الشكل: فعدد أعضاء المجلس، نوابًا وأعيانًا، ارتفع إلى (138) نائبًا، و(69) عينًا.
2 - المضمون: يمثل هذا المجلس المرحلة الأولى من رؤية التحديث السياسي، حيث تمّ انتخابه بموجب قانون الانتخاب لسنة 2022، الذي سمح بمشاركة قوائم حزبية بشكل كامل لأول مرة في تاريخ الانتخابات النيابية، إذ خُصص للأحزاب 41 مقعدًا من أصل 138 مقعدًا.
لذلك، فإن الأنظار تتجه إلى المجلس العشرين، الذي يقع على عاتقه مواجهة تحديات داخلية وخارجية، ونجاح أو فشل «تجربة سياسية» تمثل انطلاقة حقيقية ملموسة لرؤى الإصلاح الثلاث: السياسية والاقتصادية والإدارية. ومن هنا، فإن أهم ما يترقبه المراقبون من الداخل والخارج لهذا المجلس يتمثل بالملفات والقضايا التالية:
1 - بعيدًا عن «الائتلافات» أو «التكتلات» التي ستظهر اليوم تحت القبة في سبيل انتخاب رئيس المجلس وأعضاء المكتب الدائم، فمثل هذه الأمور تحدث في جميع البرلمانات وهي جزء من «اللعبة الديمقراطية»، إلا أنّ الأهم -حتى بعد الانتهاء من انتخاب أعضاء 20 لجنة دائمة في مجلس النواب- ألا نشهد انعكاسات أو امتدادات لنتائج تلك الانتخابات الداخلية على علاقة أعضاء المجلس بكافة أطيافهم، بما يؤثر سلبًا على أداء عمل المجلس بصورة عامة. أو بمعنى أكثر وضوحًا، أن لا تطغى «المناكفات» تحت القبة على «اختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية» من ناحية، وأن يكون الاختلاف -حيثما وجد- هدفه مصلحة الوطن والمواطنين بالدرجة الأولى وليس شيئًا آخر.
2 - تقع على عاتق هذا المجلس بالتحديد مهمة إعادة الأمل والثقة بالسلطة التشريعية، والنواب تحديدًا، من قبل المواطنين، وأهمية دور المجلس في التصدي لتحديات الخارج، ودوره في سنّ التشريعات القادرة على مواجهة تحديات الداخل الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، وغيرها من القضايا التي تمسّ حياة المواطنين بالدرجة الأولى.
3 - هذا المجلس يأتي في ظل تحديات إقليمية غير مسبوقة تمر بها المنطقة والعالم، ازدادت اضطرابًا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبدء العدوان على غزة، وامتداد الاعتداءات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، ثم الحرب على لبنان الشقيق، وتهديدات بفتح جبهات جديدة في الإقليم.
4 - إضافة إلى التهديدات التي يتعرض لها الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
5 - وتهديدات وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا بتهجير الفلسطينيين، وإعادة سيناريوهات الوطن البديل، وشرق أوسط جديد، وغيرها من السيناريوهات التي انتعشت أكثر بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية.
6 - داخليًا:
أ) بعد التصويت على «الثقة» بحكومة د. جعفر حسان، سيواجه المجلس أول تحدٍّ بالتصويت على موازنة 2025. وستكون «مناقشات الموازنة» أول اختبار حقيقي لما يمكن أن تقدمه «الأحزاب» تحت القبة من «إبداعات» ومقترحات لإقرار موازنة تتناسب مع التحديات الإقليمية.
ب) يقع على كاهل المجلس الجديد نجاح أو فشل «التجربة الحزبية» من خلال أداء حزبي مقنع، تتنافس فيه الأحزاب التي وصلت إلى البرلمان على عكس صورة مشجعة ومقنعة بدور الأحزاب في الإصلاح السياسي، وفي إنجاح التجربة وصولًا إلى حكومات برلمانية بعد 2033.
ج) يترقب المواطنون «مناقشات» و»حوارات برامجية»، يقوم خلالها كل حزب بطرح تصوراته ورؤاه في حل قضايا شبه مستعصية، في مقدمتها: البطالة، وعجز الموازنة، والمديونية، وجذب الاستثمارات، ومكافحة الفساد والواسطة، إضافة إلى قضايا الشباب، والمرأة، والتعليم، والصحة، وغيرها. لأنّ كثيرًا من الأحزاب لم تصل إلى البرلمان ببرامجها بل بأشخاصها، والسنوات الأربع المقبلة هي الفرصة الحقيقية لطرح برامج تكون أساسًا للانضمام إلى الأحزاب وانتخاب مرشحيها بناءً على تلك البرامج.
*باختصار: سقف الطموحات في المجلس العشرين مرتفع لأكثر من سبب:
1 - لوجود أحزاب لديها برامج وتضم كفاءات بخبرات متنوعة.
2 - وجود مجلس أعيان جديد يمثل بيوت خبرة متعددة.
3 - حكومة جديدة متقدمة «ميدانيًا» بخطى ملموسة خلال 60 يومًا على تشكيلها.
4 - خارطة طريق واضحة من خلال رؤى إصلاح سياسية واقتصادية وإدارية حتى العام 2033.
والمطلوب؟
تشريعات بحجم الطموحات، ومراقبة ومحاسبة ومتابعة حثيثة تعيد الثقة بمجلس قوي بحجم تحديات المرحلة.