ما بين التباين وتنظيم الأجور.. مواجهة صعبة بين "التأمين والأطباء"

الدكتور عادل محمد الوهادنة 

يشهد قطاع الرعاية الصحية في الأردن تحديات بسبب التباين في السياسات بين الجهات الفاعلة المختلفة، وإعلان نقابة الأطباء الأردنية أخيرًا بشأن تنظيم الأجور ألقى الضوء على اختلافات في التفويضات قد تؤثر على استقرار الخدمات الصحية، في حين أن النقابة شددت على ضرورة تنظيم الأجور، فإن شركات التأمين اعتمدت سياسات متباينة، مما وضع الأطباء في مواجهة صعبة بين الامتثال لقواعد النقابة أو مواجهة تحديات في التعامل مع شركات التأمين. هذا التفاوت أدى إلى حالة من عدم اليقين بين الأطباء، كما أن المرضى يعانون من رؤية غير واضحة لنظام الرعاية الصحية.

الوضع الحالي وتبعاته

يكمن جوهر المشكلة في التباينات بين نقابة الأطباء الأردنية والجهات التأمينية مثل الجمعية الأردنية للتأمين الصحي وشركات التأمين. تعارض النقابة بشدة أي انحراف عن نظام الأجور الذي وضعته، مما يضع الأطباء تحت ضغط المحاسبة والمساءلة. 

في المقابل، تقوم بعض شركات التأمين بتبني سياسات تمنح مرونة أكبر، لكنها تُبقي الأطباء أمام خيار صعب بين الالتزام بمعايير النقابة أو المخاطرة بإخراجهم من شبكات التأمين. في عام 2023، ارتفعت حالات الشكاوى بين الأطباء وشركات التأمين بنسبة 15% مقارنة بالعام السابق، مما يشير إلى تزايد التوترات في هذا القطاع.

مخاطر ومزايا تعويم السياسات الصحية

تعويم السياسات الصحية - أي السماح للأطباء، المرضى، وشركات التأمين بالاختيار بين أنظمة مختلفة - يحمل في طياته مجموعة من الفوائد والمخاطر التي يجب موازنتها بعناية.

مزايا تعويم السياسات:

حرية اختيار أكبر: تعويم السياسات يمكن أن يوفر مرونة للأطباء والمرضى وشركات التأمين في تبني الأنظمة التي تناسب احتياجاتهم، مما يعزز من قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة. في استطلاع رأي حديث، أشار 40% من الأطباء إلى أن المرونة في السياسات تعزز رضاهم المهني.
زيادة المنافسة: وجود خيارات متعددة يمكن أن يحفز شركات التأمين على تحسين جودة الخدمة لتجذب الأطباء والمرضى على حد سواء. هذا قد يساهم في رفع معايير الجودة والتنافسية.
ضغط لإصلاح الأنظمة: غياب توجه حكومي موحد يمكن أن يدفع الأطراف المختلفة إلى مراجعة سياساتها وتحسينها للحفاظ على دعم الأطباء وشركات التأمين، مما يؤدي إلى تحسين النظام بشكل عام.

عيوب تعويم السياسات:

زيادة الفوضى: قد يؤدي عدم وجود إطار حكومي واضح إلى تباين في المعايير وتضارب في المصالح، مما قد يربك الأطباء والمرضى على حد سواء. في مسح تم إجراؤه عام 2024، أبدى 55% من المرضى مخاوف من تدني جودة الخدمات بسبب تضارب السياسات.
تهديد حقوق المرضى: في ظل غياب إشراف مركزي، قد تُفرض شروط غير عادلة من بعض الجهات، مما قد يستغل حقوق المرضى. يشير تحليل بيانات حديث إلى زيادة في شكاوى المرضى حول تكاليف غير مبررة بنسبة 12% خلال الأشهر الستة الماضية.
تراجع قدرة الأطباء على التفاوض: تعويم السياسات قد يؤدي إلى تضارب في المصالح وتراجع في قدرة الأطباء على الدفاع عن حقوقهم المهنية والمعيشية، مما قد يؤثر على استقرار دخلهم.

دور الاقتصاد الصحي في التوجيه والتخطيط

في هذا السياق، يعتبر الاقتصاد الصحي عاملاً أساسيًا في تحقيق التوازن بين الكفاءة والعدالة في تقديم الخدمات الصحية. تحليل تكاليف السياسات المتباينة وتأثيرها على جودة الرعاية يمكن أن يوفر رؤى قيمة لصناع القرار. أظهرت دراسة أجرتها وزارة الصحة في الأردن عام 2023 أن عدم التنسيق في السياسات كلف النظام الصحي زيادة في النفقات بنسبة 8% مقارنة بالسنوات السابقة. يمكن أن يساعد توجيه الموارد بكفاءة، بناءً على دراسات اقتصادية واضحة، في تحسين استدامة النظام الصحي وضمان تقديم خدمات عالية الجودة بتكلفة معقولة.

الحاجة إلى إطار سياسات موحد

لا يمكن الحفاظ على استقرار وجودة الرعاية الصحية في الأردن إلا من خلال تنسيق سياسات جميع الأطراف المعنية. يتطلب الأمر تدخلًا حكوميًا واضحًا لتحديد معايير شاملة تحمي حقوق الأطباء والمرضى وتضمن الاستمرارية في تقديم الخدمات. في هذا الصدد، يمكن للاستفادة من أدوات الاقتصاد الصحي أن تدعم القرارات وتوجهها نحو سياسات أكثر استدامة وشمولية.

الخلاصة

يجب أن تكون السياسات الصحية في الأردن مبنية على أسس مشتركة وواضحة تضمن توازن المصالح بين جميع الأطراف المعنية. توحيد الجهود وتبني إطار سياسات شامل سيعزز من جودة الرعاية الصحية، وسيحمي حقوق الأطباء والمرضى، مما يساهم في تحقيق استقرار اقتصادي وصحي يخدم مصلحة الجميع.