التعامل مع ترامب الذي عاد

بشار جرار

ليس كل عود أحمد. لكن كل ولاية ثانية فيها فرص لا يمكن توفرها في الولاية الأولى لأي رئيس أمريكي، فما بالك إن كانت العودة تاريخية في سابقة هي الأولى منذ الرئيس الأسبق غروفر كليفلند قبل مئة وثلاثين عاما!.

ترامب الذي عاد قطعا ليس دونالد جيه ترامب الذي نزل من على مصعده الذهبي في برج ترامب الأيقوني في تفاحة بلاد العم سام، نيويورك قلب المال والاقتصاد النابض في العالم كله اعترفت بذلك الصين أم كابرت وأنكرت. أي مس باقتصاد أمريكا ولو بسنت واحد، أكبر وأول المتضررين منه هي الصين، الدائن الأكبر لأمريكا.

ترامب الذي عاد، جلب معه نصرا جمهوريا ونصرا للمحافظين الحقيقيين لا الجدد «نيو كُنْز» اختصارا لكلمة «كُنزيرفتفز» -المحافظين- والأمريكيون يحبون اختصار كل شيء لأن الوقت يعني الحياة، والعمر لا يصرف هكذا يمينا وشمالا بلا حساب لغايات بلاغية أو سجعية! الانتصار الذي حققه ترامب في عودته المظفرة تجاوز مصطلح الموجة الحمراء إلى التسونامي الأحمر في نصر مؤزر لم يحققه حتى رولاند ريغان وتيدي «ثيودور» روزفيلت!! الأغلبية الجمهورية في كل فروع السلطة تنفيذية وتشريعية وحتى قضائية فضلا عن حكام الولايات الخمسين ومناصب أخرى منها مجالس الولايات المحلية حيث صارت مثلا ميشيغان تحت قيادة مجلس نواب جمهوري، سينغّص تماما على ما تبقى في ولاية حاكمة الولاية الديموقراطية غْرِتْشِن وِتْمِر التي كادت أن تكون مرشحة لخلافة الرئيس الحالي جو بايدن لولا إصرار باراك حسين أوباما الرئيس الأسبق على الدفع بنائبة الرئيس كمالا هاريس دفعا إلى انتزاع أربعة عشر مليون صوت ديموقراطي انتخب بايدن في سباق الترشيح إلى الرئاسة.
العائد ترامب بعد أربع سنين لم يغب فيها يوما واحدا عن الأخبار، يشكل قطعا تحديات لكثيرين لكنه كذلك يقدم فرصا لا بد من اغتنامها «اهتبالها» بأصابع اليدين العشرة.

المدخل غير تقليدي، يتمثل بثلاثة حول الرئيس أحدهم غائب! هذا الأخير سأوفره إلى آخر مقالتي هذه في زاوية «من الآخر». أبدأ بالرجل الأقوى والأكثر أهمية تاريخيا، إيلون ماسك أحد أبرز صانعي فوز ترامب التاريخي. ماسك مكلف بمهمة غير مسبوقة عالميا وليس فقط أمريكيا وهي التحقق من الكفاءة المالية. القضية ليست فقط مكافحة فساد وإنما وقف الهدر والنزيف والتسريب ولو بالتنقيط. لن يسمح ماسك -بتفويض مطلق من ترامب والأمة الأمريكية- بصرف سنت واحد دون وجه حق أو في غير مكانه. تخيل معي ماذا يعني هذا الكلام بالنسبة لدولة عاقدة العزم من أعلى قمة الهرم على مكافحة الفساد بكل أشكاله.

الرجل الثاني وهو على يمين الرئيس مقاما وعمرا، هو روبرت كينيدي رافعا شعار «ماها» على غرار «ماغا»، حاملا وعدا قطعيا لا تراجع عنه: لتنعم أمريكا بالصحة أو العافية مجددا. من وعود كينيدي الصعبة والسريعة في آن واحد حظر الدعاية للأدوية والعقاقير والمكملات الغذائية والدوائية وتقنيات يروج لها أنها مفيدة صحية، حظرها كليا من وسائل الإعلام على غرار ما تم حظره من التدخين والكحول رغم احتجاج بعض اللوبيهات! تخيل حجم التعاون الأردني الأمريكي في هذا القطاع أيضا وقد أبدعت المملكة في إدارة أزمة كورونا، كوفيد التاسع عشر على نحو أثار ويثير اهتمام ترامب ومن حوله من رجال.

أما الرجل الثالث والأخير وما حديثي إلا مجرد عينة ومقدمة، فهو المنصب الملغي الذي كان قد استحدثه الرئيس الديموقراطي الأسبق جيمي كارتر. من وعود ترامب في ولايته الثانية والأخيرة إلغاء منصب وزير التربية والتعليم! قد يكون الكلام صادما أو منفّرا، لكني كأب يخدم في ميادين الإعلام والدبلوماسية العامة أشهد بأن أولى الناس في تعليم فلذات أكبادهم هم الأم والأب لا أحد سواهم. بمعنى الحاجة إلى أن يكون التعليم إما منزليا وهذا متاح بنسب متصاعدة على نحو كبير منذ عقدين في بلاد العم سام، أو خاصا أو عموميا لا حكوميا بمعنى عدم السماح لأي إدارة جمهورية أو ديموقراطية بضخ أيدولوجيتها في عقول الطلبة من الحضانة وحتى الجامعات. التسييس للتربية والتعليم أمر بالغ الخطورة.

التعاون لا حدود له. أما التعامل فمعروف موثوق، هو أمانة مصونة مصانة عند سيدنا عبدالله الثاني «المحارب العظيم»، نفوضه ونقف خلفه وإلى جانبه وأمامه عندما يتطلب الأمر الفداء بالصدور. نَعَمُهُ نعم ولاؤه لا وألف كلا.. قولا واحدا «مع الملك» كما في أجمل هاشتاقات التايم لاين الأردني.