من يدفع فاتورة الحرب وكيف نتعامل مع آثار العدوان؟
حسين الرواشدة
يبدو أن المشهد السياسي والعسكري، بعد اكثر من 400 يوم على الحرب، بدأ يتكشف بوضوح، سواء في واشنطن او تل ابيب او لدى الدول العربية والإقليمية، ما سمعناه في قمة الرياض يعكس حجم «الخوف» من القادم، ويستدعي تجاوز الفشل بالفعل لا بمجرد الكلام، وإذا كان ثمة توافق على ان (الجميع سيدفع الثمن ) بعد انتهاء العدوان على غزة، فما هو نصيب بلدنا، ولاحقا منطقتنا، من هذا الثمن؟
صحيح، تقدير حجم الفاتورة المترتبة سيكون مرتبطا بنتيجة هذه الحرب، صحيح، أيضا، نصيب كل طرف سيختلف تبعا لمعادلات المواقف والأدوار، والجغرافيا والمنعة الذاتية، لكن المؤكد أن انفجارات ومفاجآت عديدة، ستشكل ما يشبه الزلزال الكبير، وستترك ارتداداتها هزات عنيفة في الوعي الجمعي للشعوب، وفي مراكز الفعل السياسي والاقتصادي، وربما تمتد آثارها خارج حدود المنطقة، وبالتالي سنحتاج إلى عقود للتعامل مع «آثار العدوان « ونتائجه.
أشير إلى أربعة تحولات مهمة، يمكن استشرافها، أولا: إعادة ترسيم الأدوار لدول المنطقة بعد حدوث انزياحات لافتة في المواقف تجاه العدوان، أقصد أن شبكة العلاقات والتحالفات انكشفت، وستنكشف أكثر على خرائط سياسية جديدة، يبرز فيها لاعبون إقليميون يحاولون انتزاع أدوارهم في المنطقة على حساب أدوار أطراف أخرى، السؤال : وسط عاصفة تنازع الأدوار، هل سيكون للأردن دور في المرحلة القادمة، سواء على صعيد أي تسوية للقضية الفلسطينية، أو على صعيد أجندات المنطقة التي سيجري ترتيبها لاحقا، أو ربما بدأت منذ الآن، ثم ما طبيعة هذا الدور وما هي استحقاقاته؟
ثانيا : شكلت هذه الحرب فرصة للتعبئة الدينية والسياسية، ومع انعدام وجود قنوات تصريف لهذه التعبئة، بما تزدحم به من شحنات غضب وقهر وعجز، فإن إمكانية خروج مارد التطرف من قمقمه اصبح مطروحا ومتوقعا، ليس، فقط، لأن العنف يولد العنف، وإنما لأن التربة التي خرج منها التطرف، قبل عقود، ما زالت خصبة وطازجة، كما أن الظروف الموضوعية التي أنتجته لا تزال حاضرة بقوة، وستكون أقوى بعد ان نكتشف حجم الكارثة التي خلفتها الحرب، السؤال: هل لدي مراكز التفكير والتدبير الاستراتيجي في بلدنا ما يلزم من خطط وتدابير للتعامل معه ومحاصرته، وهل تم مراعاة ذلك إبان تصميم خطابنا العام الرسمي والشعبي تجاه العدوان؟
ثالثا : كان الإسلام السياسي ( بتنظيماته السياسية والعسكرية) حاضرا في مشهد الحرب لاعتبارات تتعلق بالمقاومة التي تنتسب أصلا إليه، وبالتيار العريض من الإسلاميين الذين استنفروا لدعمها، وتبني خطابها، وإلهام الجمهور بإنجازاتها، كما ان العدوان على بشاعته، ايضا، كان مناسبة لانبعاث الإسلام السياسي، بعد ما تعرض له من حصار، ومحاولات إجهاض ومنع، وتصنيف على قوائم الإرهاب، السؤال : هل قدم الإسلام السياسي في بلدنا أداء سياسيا عقلانيا يمكنه من تطبيع علاقته مع الدولة، ورأب ما حدث من تصدعات بينهما، ثم كيف قيمت الدولة حراك هذا التيار، وكيف ستتعامل معه، سياسيا، داخل البرلمان او خارجه، ثم ماذا عن المستقبل واستحقاقاته، هل سيكون ملف الإسلام السياسي على طاولة اي تسويات قادمة، وهل سيوظف في سياق الاضطرارات، وبأي اتجاه؟
رابعا : لن يكون الداخل الأردن، بتقديري، بعيدا عن هذه التحولات، صحيح أن اغلبية الأردنيين توحدوا على رفض العدوان، ودعم أهل غزة، لكن ما جرى، سواءً في الشارع، أو على صعيد الأداء العام، عكس جملة من المعطيات والملاحظات الجديرة بالاهتمام، خذ، مثلا، الخطاب العام وما تبعه من استثمارات سياسية غير مفهومة أحيانا من بعض الأطراف، خذ، أيضا، الحضور الهش للمؤسساتية والطبقة السياسية، خذ، ثالثا، التداعيات الاقتصادية التي تحتاج إلى معالجات سريعة، كل هذا وغيره، من التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي أفرزتها الحرب، ستشكل مناسبة (اضطرارا إن شئت ) لمراجعات وتغييرات لخريطة الداخل الأردني، على صعيد السياسات، والأدوات، والروافع، بعضها تم فعلا، وبعضها ما زال قيد الانتظار.