مآلات عالمية وصعود اليمين السياسي
د. ماجد الخواجا
لم تتجاوز التحليلات والمقالات المتعلقة بالانتخابات الأمريكية وفوز ترامب تلك السطحية إلى درجة السذاجة المشبعة بالعواطف الطفولية والغرائزية، ولم يخرج الحديث عن شخص وشخصية ترامب وما يصدر عنه من تصريحات في غالبيتها مثيرة وثورية إلى درجة الانقلاب على كافة المسلمات الأمريكية وفي مقدمتها مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تنادي بها في كافة المحافل باعتبارها حاملة لوائها ومتبنية لسياقاتها.
من أجل استشراف المستقبل المنتظر في عهد الحكم الترامبي، لا بد من تحليل لمعطيات الواقع الراهن الذي يتضمن مفصلين حاسمين اهتز العالم من تبعاتهما، الأول الحرب الروسية الأوكرانية والتي في حقيقتها أصبحت حرباً روسية أوروبية- أمريكية، الحرب الصهيونية ضد الفلسطينيين وغزّة وحزب الله ولبنان. لن يستطيع ترامب تجاهل ثقل هذين الملفين ودرجة أهميتهما بحيث يتطلب منه ذلك إعطاء أولوية خاصة.
لو عدنا لأفكار ترامب سنجد أنه يريد تطبيق سياسات حمائية والحد من تدفق التجارة منخفضة الضرائب، وسيقوم برفع الضريبة والجمارك على البضائع الواردة لأمريكا وهي سياسة تستهدف بالدرجة الأولى الصين ومنتجاتها. كما أنه يرى في حلف الناتو مأزقاً وكلفاً غير مجدية، وهو يريد الإنكفاء بأمريكا بعيداً عن دفعها لجيوشها ومواردها في حروب هنا وهناك. إضافةً لملف الهجرة غير الشرعية الذي تعاني منه أمريكا بشكل غير مسبوق، فقد تزايد عديد المهاجرين غير الشرعيين ليصل إلى أرقام تتجاوز عشرات الملايين.
لقد أعلن ترامب ولم يغير إعلانه ما بين عامي 2016 و 2024 في تأييده ودعمه المطلق للكيان الصهيوني، ولا ننسى أنه وقع في ولايته الأولى على أن القدس عاصمة للكيان، كما أنه له وجهة نظر ضد المشروع النووي الإيراني والعمل على منعها من أن تمتلك التكنولوجيا النووية والسلاح الذرّي.
إن وجه أمريكا لسنوات قادمة في حال استمر ترامب لن يبقى كما هو معهود عنها، ستكون الهيمنة والسيطرة لليمين المتشدد والمحافظين المتطرفين، وقد تشهد توترات تصل إلى حدود الصراع الداخلي بين مكونات المجتمع المتنافرة.
قد تجد أوروبا أنها مضطرة للبحث عن بديل واعتمادها على مقدراتها وإمكاناتها بعيداً عن أمريكا التي ستنعزل عنها ولن تبقى أوروبا في أول قوائم أولوياتها. بل قد تصبح في مواقف تنافسية مع أمريكا التي تنأى بنفسها عن أية تحالفات وتعاقدات مكلفة، وحيث يرى ترامب أن أوروبا منافسة لأمريكا وليست حليف مكافئ لها.
هنا قد تكون الفرصة لبروز تكتلات منغلقة على شكل تحالفات بين دول تربطها مصالح محددة، وقد تكون الفرصة مواتية لبروز اليمين المتشدد في عديد من الدول الأوروبية التي لديها من العوامل والظروف ما يكفي لبزوغ شمس اليمينيين فيها.
يبقى السيناريو المتفائل بأن يقوم ترامب بإطفاء التوترات والأزمات في العالم ويعمل على إنهاء الحرب الروسية الأوروبية، والحل للقضية الفلسطينية بطريقةٍ ترضي كافة الأطراف، وبانفتاح عقلاني رشيد على الصين وإيران، وتصفير المشاكل المتعددة هنا وهناك، لكن لم يبد ترامب شيئاً من هذا، فهو تحدث عن الصين باعتبارها خصماً لدوداًينبغي كبح جماحه، وتحدث عن إيران بوصفها دولة مارقة ينبغي تأديبها، وتحدث عن الفلسطينيين باعتبارهم معتدين على الكيان الصهيوني.
ربما العالم لن ينقاد لأهواء شخص مهما بلغت نجوميته، ومعلوم أن أمريكا صاحبة ورائدة الكرنفالات والمهرجانات، ولديها دائما هوس البطل والنجم الفرد الواحد، إنها غاوية لرامبو متخيّل. لكن العالم لا يسير على مزاج وهوى رامبو الأمريكي.
شهد التاريخ أن البشرية لا تجتمع على باطل، لكنه شهد أيضاً أن الشر والظلم والطغيان عاش مع الإنسان صنوان.