فلس المفلسين!

بشار جرار

الله الغني. هكذا نرد على من يظن نفسه رازقا أو من الرازقين، حاشى لله. الرزق بيده وحده سبحانه. والرزق متعدد الأوجه والأشكال. لا يقتصر على المال فقط، الصحة والستر وراحة البال، الهيبة والحكمة والمحبة ما هي إلا بعض من الأرزاق التي استطعنا معرفته ويظن بعضنا أننا قادرون على احتسابه، لنا أم علينا.

بعض المال -لا الرزق بمفهومه الواسع- فيه استعصاء يشتد أحيانا لدرجة تدفع طالب ذلك المال أو الساعي إلى ذلك الرزق يعفّ ويزهد، فيربأ بنفسه عن السؤال حتى لو كان تجارة أو «مرابحة»، فيقول رزقنا على الله، والله الغني، يغنينا عمن سواه، وعمّا دونه.

عندما تكون التجارة العالمية بتريليونات الدولارات والإقليمية بالمليارات والمحلية بملايين الدنانير، لا قيمة لقروش المكرشين -ذوي الكروش المترهلة والأوداج المتهدّلة- ولا قيمة أيضا لفلوس المفلسين.

 مع احترامي التام وتقديري المطلق لذوي النوايا الطيبة والأفعال الزينة الحشمة، فإن الأمر الجد خطير، ولا مجال بعد ما جرى من أيام، إلى انتظار جولة أخرى من السجال العقيم الذي يدفع الاقتصاد الأردني الوطني ثمنه من أرزاق الناس كافة، مواطنين ومقيمين تحت أي بند كان، لجوء قديم أو حديث، عمالة وافدة، سياحة أم استثمار. جميعها اعتبارات كان الأولى من الزاعقين الناعقين مراعاتها قبل أن يطبعوا شعاراتهم نقرا، إصبعا إصبعا، وحرفا حرفا على الآيفون والآيباد وتسجيل «الرّيلز» و»التكتوكات» من وراء سيارة أمريكية فارهة حديثة، أم عتيقة غالية الثمن -كأنتيك- متوارثة عن عصامي ثري أو صاحب أطيان!

أخط هذه السطور مع بدء عد الأصوات في بلاد العم سام. مسألة الحمائية والمقاطعة التجارية لأسباب أخرى منها السياسية، قضية دعائية موسمية لا سياسية انتخابية، منها مؤخرا منذ نحو عقد حركات المقاطعة للصين تحديدا، وروسيا منذ حرب أوكرانيا قبل عامين.

ثمة وعي بقوة السّنت لا الدولار فقط، أثمر حركة روحية أخلاقية وطنية، لا أريد ذكر اسمها من على هذا المنبر الكريم لاعتبارات أحرص على التقيّد بها ذاتيا. لكن الفكرة أن تلك الحركة تشتبك مع الجمهور، مع الزبائن إيجابيا فهي لا تقاطع وتؤذي الاقتصاد وتمس أرزاق الناس، بل تشجع على التجارة والاستثمار بما فيه أموال التقاعد مع شبكة متكاملة من التيار المحافظ الوطني في أمريكا. التزام لا يدخل لعبة الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولا يقبل إقحام الدين أو السياسة أبدا، بل ينصبّ على دعم كل ما هو وطني ملتزم بالقيم المحافظة التي ترسم حياتها وأولوياتها ضمن شعار الله-الأسرة-البلد.. لا يخفى على أحبتنا القراء الكرام بأن اختيار كلمة البلد وليس الوطن في الترجمة حتى تكسب معها في هذا الأداء الاقتصادي الراشد الرشيد، حتى المقيمين من غير المواطنين الأمريكيين. أرزاق الناس وقوت عيالهم ليست «لعبة» ولا يجوز لأي كان المتاجرة بها والمزايدة على القائمين عليها.

مرحى للنشامى الذين أشاروا في معرض استيائهم مما جرى فيما يخص الاستثمار العربي والأردني في اقتصادنا الوطني، مرحى لرد فعلهم الإيجابي المتمثل بأشياء عدة، في مقدمتها الإشارة إلى المؤسسة الاستهلاكية العسكرية والمؤسسة الاستهلاكية المدنية. بديلان ينبغي أن يشكلا الوجهة الأولى للأردنيين ولضيوف الأردن.

ولا بأس حتى تكتمل الرسالة من المبادرة في دعم العلامات التجارية. دعم يعبر عنه قادة المجتمع، خاصة من النجوم، ومن يوصفون بالمؤثرين لا المتوارين عن الأنظار في الأزمات، ينتظرون الريح، يميلون حيث مالت!

قد يكون من المناسب، مد النظر وبعين فاحصة إلى البلاد التي ينتمي إليها بعض التكتوكيين والتويتريين والفسابكة من أقطار فيها ما هو أهم من المشروبات الغازية أو الوجبات السريعة والعلامات التجارية المستهدفة بموقعة المقاطعة!