اجتماع مجلس الأعيان قبل بدء دورة الانعقاد
بقلم د. محمد رحامنه
أرسى المشرع قواعد عمل سلطات الدولة، فحينما أناط السلطة التنفيذية بالملك فإنه أوجب وجوده في كل وقت، فإن حدث وأراد السفر أو تعرض لمرض يحول دون ممارسته صلاحياته الدستورية فلا بد من إيجاد شخص آخر يقوم مقامه طوال فترة السفر أو المرض، كما أوجب المشرع وجود الحكومة أيَضًا في كل وقت؛ فإن تمت إقالتها فيتم تكليفها بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
أما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية، وحيث إن وظيفتها لا تستلزم بالضرورة ديمومة وجودها، فقد جعل لها المشرع دورات انعقاد، أهمها دورة الانعقاد العادية، وهي تلك الدورة التي تبدأ في الأول من تشرين أول من كل عام، وتستمر مدة (6) أشهر.
إن مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب يفترض أنه لا يستطيع ممارسة أي صلاحية ما لم يكن في دورة انعقاد (عادية، أو غير عادية، أو استثنائية)، لكن هل توجد حالات من المتصور اجتماع مجلس الأمة خارج دورات الانعقاد من أجلها؟
يمكن القول إنه من المتصور ذلك وفق الدستور، فعلى سبيل المثال فإن مجلس الأمة يجب أن يجتمع فور انتقال العرش إلى الملك ليتمكن الملك من أداء اليمين أمامه (المادة 29 من الدستور)، وحيث إن الأنظمة الملكية ينتقل فيها العرش عن طريق الوراثة فهذا يعني احتمال أيلولة العرش إلى الملك في فترة لا يكون فيها مجلس الأمة في دورة انعقاد، فيجتمع مجلس الأمة والحالة هذه خارج دورة الانعقاد ليؤدي الملك اليمين.
كما توجد أيضًا حالة أخرى يمكن أن يجتمع فيها مجلس الأمة خارج دورات الانعقاد، بل ويكون للمجلس اتخاذ قرارات في تلك الجلسات وليس فقط الاستماع لليمين التي يؤديها الملك؛ وهي حالة استمرار غياب الملك عن البلاد مدة معينة، فقد أوجب المشرع دعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع "حالًا" للنظر في ذلك الأمر(المادة 28/ط من الدستور)؛ دون اشتراط وجود المجلس في دورة انعقاد لصحة هذا الاجتماع.
والحالة الثالثة في هذا السياق هي المرض العقلي للملك؛ فعند التثبت من المرض يجب أن يدعى مجلس الأمة "في الحال" إلى الاجتماع ليصار إلى اتخاذ الإجراءات الدستورية (المادة 28/م من الدستور)، وذلك بقطع النظر عما إذا كان المجلس في دورة انعقاد أم لا.
وبالعودة إلى عنوان المقال يمكن القول إن مجلس الأعيان يستطيع الاجتماع بدعوة من رئيسه ليؤدي الأعيان اليمين أمام المجلس، وهي جلسة لا يصدر المجلس فيها قرارًا، إنما يقتصر دور المجلس على تمكين كل عين من أداء اليمين بصفته إجراء دستوريًا قبل البدء بالعمل (المادة 80 من الدستور).
هذا يعني أن مجلس الأعيان يستطيع عقد جلسة أداء اليمين في دورات الانعقاد أو خارج تلك الدورات، في حين إنه من المتعذر على رئيس مجلس النواب دعوة المجلس للاجتماع في تلك الجلسة خارج دورات الانعقاد؛ لأن المشرع حدد موعد اختيار رئيس المجلس وجعله في بداية دورة الانعقاد؛ فلن يتمكن المجلس من الاجتماع إلا في خلال الدورة لا خارجها، على عكس مجلس الأعيان الذي يتم تعيين رئيسه من قبل الملك، ومن ثم إمكانية دعوة المجلس إلى الاجتماع قبل بدء الدورة.
اليوم، ونحن بانتظار بدء دورة الانعقاد العادية لمجلس الأمة بتاريخ 18 تشرين الثاني، فقد بادر رئيس مجلس الأعيان بدعوة المجلس إلى الاجتماع في جلسة أداء اليمين بتاريخ 30 تشرين أول؛ أي خارج نطاق دورة الانعقاد، وقد أدى أعضاء المجلس اليمين في تلك الجلسة.
إن هذه الممارسة تعد تطبيقًا سليمًا للنصوص الدستورية، لكن قراءة بعض نصوص الدستور بمعزل عن النصوص الأخرى أدت إلى إثارة الجدل حول مدى دستورية اجتماع مجلس الأعيان قبل بدء دورة الانعقاد العادية لمجلس الأمة.
إن سلامة تطبيق الدستور بصفته الوثيقة الأسمى وأحد أهم ركائز الدولة القانونية تتطلب قراءة النص الدستوري دون عزله عما سواه من نصوص الدستور.