تعزيز قدراتنا السياسية كركيزة للعلاقات الدولية وأثرها في إدارة الأزمات
الدكتورعادل محمد الوهادنة
رسالة إلى دولة الرئيس الأكرم
في عالم يواجه تغيرات سريعة وتحديات متزايدة، تتطلب الدول نهجًا ابتكاريًا ومرنًا لإدارة شؤونها وتحقيق الاستدامة والتطور. الأردن، بقيادة جلالة الملك، يسعى لتعزيز مكانته كدولة مستقرة وريادية في منطقة تتزايد فيها الحاجة إلى الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، تأتي الجولات التفقدية لدولة الرئيس كأداة ديناميكية تُجسد الالتزام بالشفافية وتدعم الروابط المباشرة بين الحكومة والمواطنين، حيث تعمل على تعزيز الرقابة وتوجيه الرؤى الاستراتيجية التي تلبي احتياجات الحاضر والمستقبل.
إن هذه الجولات تتجاوز المجاملات التقليدية لتتفاعل مع المحاور الأساسية التي تُسهم في تحقيق رؤية وطنية مستدامة؛ بدءًا من تعزيز قدرات الأردن في التعامل مع الأزمات، مروراً بإعادة تأهيل الكوادر البشرية لمواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بتحقيق مفهوم الاستدامة الذاتية في مواجهة التحديات العالمية. تسلط هذه المحاور الضوء على كيفية استثمار الأردن لموارده البشرية والطبيعية بكفاءة، مما يتيح له فرصة استثنائية في تقديم نموذج يُحتذى به في مجالات التعليم، الصحة، والاقتصاد. واستناداً إلى تجارب عالمية، يتم تعزيز كل محور ببيانات دقيقة ومقارنات دولية تُظهر أثر التطبيق في رفع كفاءة الأداء وتحقيق أهداف استراتيجية شاملة تخدم مصلحة الوطن والمواطن.
تسخير التكنولوجيا الحديثة لتطوير آليات العمل الحكومي:
في ظل الثورة الرقمية والتقدم التكنولوجي المتسارع، تبرز الحاجة إلى توظيف الأدوات الذكية والذكاء الاصطناعي لتحسين آليات العمل الحكومي. فقد أظهرت الأبحاث أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني في متابعة الأداء وتقييم استجابة الموظفين للضغوط يسهم في تعزيز كفاءة العمل الحكومي بنسبة تصل إلى 30%. ونجد مثالاً على هذا التحول في تجارب دول مثل فنلندا، التي تبنت أساليب تحليل البيانات الضخمة لتحديد أولويات العمل وضمان اتخاذ قرارات مدروسة بناءً على نتائج حقيقية؛ فقد ساهم هذا النهج في تقليل الهدر المالي وزيادة دقة التنبؤات المتعلقة بالتحديات الاقتصادية.
وفي الأردن، تسعى الحكومة إلى دمج هذه التقنيات ضمن إطار عمل الجولات التفقدية، إذ يمكن أن تُستخدم تقنيات التحليل الآني لبيانات المواطنين والشكاوى المرسلة من خلال منصات التواصل الاجتماعي والبوابات الإلكترونية للحصول على صورة شاملة حول آراء المواطنين واحتياجاتهم. هذا التوجه لا يعزز فقط من فعالية الحكومة في الاستجابة، بل يسهم أيضاً في بناء شراكة حقيقية بين المواطن والحكومة، حيث يشعر المواطن أن رأيه مسموع وأن ملاحظاته تُعالج بجدية وسرعة.
تطوير البنية التحتية الرقمية في القطاع الصحي:
يعد القطاع الصحي من أكثر القطاعات استفادة من التحول الرقمي، فقد أظهرت تجارب دول كالنرويج وكندا أن رقمنة الأنظمة الصحية تسهم في تحسين جودة الخدمات وتقليل فترات الانتظار. على سبيل المثال، تبنت النرويج نظام السجلات الصحية الإلكترونية الموحدة، والذي أدى إلى تحسين دقة التشخيص الطبي وتقليل الأخطاء بنسبة 25%، إضافة إلى تسهيل التنسيق بين مقدمي الرعاية الصحية وتحقيق توفير ملحوظ في التكاليف التشغيلية.
وفي الأردن، تتمثل الجهود المبذولة في تطوير البنية التحتية الرقمية داخل المستشفيات الحكومية وتعزيز إمكانية الوصول إلى السجلات الصحية الإلكترونية، ما يسهم في تقليص زمن التشخيص وتوفير المعلومات الدقيقة للطبيب المعالج. كما يسهم هذا النهج في دعم اتخاذ القرارات الطبية وتخفيف العبء على المرضى والأسر، من خلال تسهيل الإجراءات وزيادة فعالية الكادر الطبي.
ترسيخ التعاون الإقليمي والدولي كنهج لتحقيق الأمن الصحي المستدام:
تأتي التحديات الصحية العالمية لتؤكد أهمية التعاون الدولي لضمان الأمن الصحي. وقد أسهمت العلاقات القوية التي تربط الأردن بالدول المجاورة ودول الاتحاد الأوروبي في تحقيق تقدم ملحوظ في تبادل المعرفة الطبية وتوفير المعدات والأدوية الضرورية خلال الأزمات. في حالة الأوبئة مثل كورونا، شكّل التعاون الإقليمي عنصراً أساسياً لضمان استمرارية سلسلة التوريد والحصول على اللقاحات والإمدادات الطبية اللازمة في أوقات حرجة.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة من جامعة هارفارد أن 65% من النجاح في الاستجابة لأزمات الصحة العامة يعتمد على التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات، لا سيما في مجالات بناء القدرات وإجراء الأبحاث المشتركة. ولقد استثمرت الأردن هذه العلاقات لتعزيز الأمن الصحي على المستوى الوطني، حيث عُقدت شراكات مع منظمات عالمية لتطوير البحوث الصحية وإجراء اختبارات طبية مبتكرة، مما يؤكد موقع الأردن الريادي كدولة تجمع بين القدرة على التكيف والانفتاح على تبادل المعرفة.
آفاق التعليم المستدام لتأهيل القيادات المستقبلية:
إن الاستثمار في التعليم المستدام يعد أحد الأسس لتحقيق رؤية الأردن في إعداد قيادات قادرة على التعامل مع متغيرات العصر وتحدياته. وقد أظهرت تجارب سنغافورة وفنلندا نتائج مبهرة في تطوير أنظمة تعليمية ترتكز على التفكير النقدي والتحليل الإبداعي، حيث أسهمت هذه التجارب في رفع مستويات الابتكار وخلق بيئة حاضنة للإبداع.
تعتبر برامج التدريب المتقدمة وإشراك الكوادر في منصات التعلم المستمر، مدعومة بتقنيات التعليم عن بعد والتعلم التفاعلي، من المبادرات الرائدة في الأردن لتعزيز كفاءة الكادر الحكومي وتوسيع مداركهم الفكرية. ومن المتوقع أن يُسهم التعليم المستدام في تمكين الجيل القادم من القادة الأردنيين ليتولوا مناصب حيوية بإعداد معرفي يتماشى مع الاحتياجات الحديثة، مما يعزز من استدامة النجاح الأردني ويضمن التكيف الفعال مع التحديات المتغيرة.
إستراتيجية الشفافية والمحاسبة كركيزة لتعزيز الثقة:
لطالما كانت الشفافية والمحاسبة ركائز أساسية في تحقيق الرضا المجتمعي وتعزيز ثقة المواطنين بالحكومة، لا سيما عند تطبيقها على مستوى العمل الحكومي. وفي التجربة الكندية، حيث يعتبر مكتب المحاسبة العام أداة رئيسية لتدقيق الأداء الحكومي، أظهرت النتائج أن هناك ارتفاعاً في ثقة المواطنين بنسبة 60% منذ تطبيق نظام المحاسبة المستقل، مما ساهم في تحسين فعالية العمل الحكومي وتحديد أوجه القصور بدقة وسرعة.
ويعمل الأردن على تطبيق إستراتيجية محاسبية تتسم بالدقة والشفافية، تعزز من فعالية النظام الرقابي وترسيخ مبدأ المساءلة على مستوى جميع مؤسسات الدولة. تُعد الجولات التفقدية، جنباً إلى جنب مع نظام التقارير الرقمية الدورية، أحد أهم وسائل المحاسبة، حيث تتم مراجعة تقارير الأداء شهرياً واستعراض نسب الإنجاز لمشاريع مختلفة بهدف إجراء تحسينات مستمرة ودقيقة على أداء المؤسسات الحكومية.
الخاتمة
تؤكد البيانات والإحصاءات أن التحركات الاستراتيجية المدروسة تؤدي إلى نتائج ملموسة، حيث تعزز الجولات التفقدية لدولة الرئيس روح الثقة والمسؤولية. إن بناء الاستدامة الذاتية على أسس متينة، من خلال الاستفادة من التجارب العالمية وتحليل أثرها الرقمي، يمكن أن يجعل الأردن نموذجاً يُحتذى به في الابتكار والاستدامة، مساهماً بذلك في تعزيز موقعه كدولة قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، ومواكبة التغيرات العالمية بمرونة وابتكار. ختاماً، يشكل النموذج الأردني المبني على الجولات التفقدية لدولة الرئيس والمرتكز على تعزيز الاستدامة الذاتية وحوكمة الموارد، حجر الأساس نحو بناء مستقبل أفضل. وفي الوقت الذي يسعى فيه الأردن إلى تحويل التحديات إلى فرص حقيقية، تأتي هذه الجولات كداعم فعّال يعزز الثقة بين الحكومة والمواطنين، ويتيح فرصاً لتعزيز الكفاءة وتحقيق الشفافية. من خلال تطبيق استراتيجيات مدروسة ومستندة إلى بيانات واقعية وتجارب عالمية، بات الأردن قادراً على إرساء قواعد صلبة لاستدامة اقتصادية واجتماعية شاملة. هذا النهج، الذي يتبناه الأردن نحو تحويل الأزمات إلى فرص مبتكرة، يضع المملكة في مكانة ريادية كدولة قادرة على قيادة التغيير وتوجيهه نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. بدعم من القيادة الحكيمة والجهود المخلصة، ستظل المملكة نموذجاً يُحتذى به في مجال تطوير مجتمعات قادرة على الصمود والتقدم في عالم متغير، مما يضمن حياةً كريمة للأجيال الحالية والمستقبلية.