سترة ترامب ومغسلة ماسك
بشار جرار
أعد للعشرة قبل مسك القلم على نية الكتابة في الشأن الأمريكي الداخلي خاصة الانتخابي وعلى نحو خاص السباق الرئاسي الحالي. اعتبارات كثيرة تحكمني في مقدمتها معرفتي منذ حملة 2016 مدى الانقسام والخلاف الذي أفسد للود قضية حتى بين أفراد الأسرة على مائدة عشاء!
لتحرير كلماتي من هذه المعضلة، وهي أن أقول ما أريد دون إثارة مشاعر سلبية إزاء المكتوب والكاتب، أقتصر المقالة على سترة ومغسلة!! سترة الرئيس المقبل على الأرجح، الرئيس السابع والأربعين لبلاد العم سام دونالد جيه ترامب، ومغسلة إيلون ماسك عملاق التقنيات الفضائية والكهربائية، ومؤخرا رائد حماية حرية التعبير، مالك تويتر سابقا التي سماها اكس.
ماسك أيضا شخصية خلافية، وكذلك روبرت كينيدي سليل العائلة الأمريكية العريقية التي قيل إنها لو كانت ملكية لتم تتويجها على عرش أمريكا إبان عهد الرئيس الراحل جون إف كينيدي الذي تعهد ترامب بإماطة اللثام عن الغموض الذي اكتنف حادثة اغتياله منذ أكثر من نصف قرن.
الرمزية المشتركة بين السترة والمغسلة هي القرار بشن حملة تنظيف تبدأ بالبيت الداخلي لا الساحة الخلفية ولا ساحات ما وراء البحار. من الجلي أن ترامب وماسك وكينيدي يؤمنون على طريقتهم بشعار «وحدة الساحات»! يريدون خوض أصعب الحروب، أصعب حتى من حربي الاستقلال والحرب الأهلية ألا وهي حرب استرداد أمريكا الآباء المؤسسين، استرداد أمريكا من تغول العولمة واليسار المنحل المختل الذي لم يبق مفاهيم راسخة كالدولة والوطن والحدود والهوية والأسرة، لم يبقها ثوابت وقواسم مشتركة لا يجوز أبدا تحت أي مسمى كان التلاعب بها أو تمييعها في أذهان وضمائر الأمة الأمريكية التي تم بناؤها على مثال «بوتقة الانصهار» (مِلْتِنْغ بُت) بمعنى أن تعطي وتأخذ -كمهاجر كمواطن جديد- أن تنصهر في الأمة الأمريكية، بما يحفظ التراث والأصول باعتزاز واعتداد، لكن ضمن إطار الهوية الواحدة الجامعة والانتماء والولاء غير القابل للانقسام. لذلك تفاعل نحو نصف الأمريكيين مع شعار «أمريكا أولا»، ولذلك أطلقت دول كثيرة قبل ترامب ومنذ سنين، وعقود، شعار الوطن أولا وآخرا.
في عالم المسرح، الأقدم كثيرا من السينما والفضائيات والمنصات والدعاية الانتخابية، من أهم المشاهد، ثلاثة: الدخول الخروج والذروة بينهما أو آخرها. اختيار ماسك دخوله مبنى تويتر سابقا -قبل عامين- حاملا مغسلة، مرتديا قميصا بلا شعارات -تي شيرت بلا لوغو- فُهم جيدا بأنها -المغسلة- ما هي إلا جرة قلم أشّرت على حملة تقليص للنفقات شملت تسريحات مهولة زادت رغم الصياح المتعالي في إدانتها من أرباح ونجاح وانتشار اكس. تخيل أداء ماسك عند توليه لجنة بتفويض رئاسي لتقليص الإنفاق الحكومي وبالتالي تقليص للعجز والمديونية، الأمر الذي يعني إنجازات اقتصادية سياسية سيادية غير مسبوقة أمريكيا وعالميا. التحرر من الديون حرية واستقلال..
تماما كما الدخول المسرحي لترامب على مهرجانه الانتخابي في ويسكانسون، إحدى الولايات السبع المتأرجحة بسترة عمال النظافة، في رد صاعق على زلة لسان الرئيس جو بايدن الذي وصف مؤيديه -مئتين وخمسين مليون أمريكي بحسب ترامب- بالقمامة! بطبيعة الحال نفى بايدن التهمة وقال إنه عنى بذلك ممثلا كوميديا أساء لبورتوريكو ومواطنيها واللاجئين منها. ومازالت حملة كمالا هاريس، نائبة بايدن تحاول التخلص من الآثار التي أحدثتها تلك «الزلة» على السباق الانتخابي في الأمتار الأخيرة من البيت الأبيض فيما يعرف ب «مفاجأة اكتوبر». «سيربرايز» تحولت بقدرة قادر إلى «برايز» هدية لترامب الذي قام بحلب تلك الإساءة غير المقصودة إلى حملة انتخابية متكاملة الأركان حيث امتطى صهوة شاحنة قمامة وارتدى لا بل امتشق سترة «الزبالين» التي صارت إشارة تعاطف وتضامن، تحولت فيها طوابير المقترعين مبكرا والمهرجانات الانتخابية إلى سترات «عمال الوطن» كما نسميهم في الأردن الحبيب، اعترافا بأفضالهم على إبقاء ديرتنا نظيفة، تعكس وجهنا الحضاري لضيوف المملكة من سائر أرجاء المعمورة.
يومان على اليوم الموعود الخامس من نوفبر. بصرف النظر عن الفائز -ترامب أم هاريس- تعنينا الرمزية والقضية في الصميم أردنيا وربم ا عدد من الساحات العربية خاصة تلك التي عانت من ويلات الحروب والقمع والإرهاب والفساد السياسي والمالي والاجتماعي، نعم الاجتماعي فثمة فساد ينبغى التصدي له روحيا وتربويا وثقافيا. في صميم مصالحنا حملة التنظيف من كل تجاوز على الثوابت الوطنية، على كل متطاول على المال العام، خاصة إن كانت الأولويات في الإنفاق غير معقولة، كأن تنفق مئات مليارات الدولارات على حدود بعيدة، فيما تترك حدود أي بلد في العالم سداحا مداحا للإرهابيين وتجار السموم المسماة المخدرات.
ما من انتخابات يجوز فيها الاختلاف على أن الوطن أولا، وعلى أن الأمة أولى بأموالها، تنفقها على أولوياتها لا أولويات أي طرف آخر حتى وإن كان حليفا أوشقيقا.