إعدام الأونروا

إسماعيل الشريف

«المساس بحصانة الأونروا ودورها يمثل اغتيالاً سياسيًّا، ويجب على المجتمع الدولي إدراك أن الأونروا هي الجهة الوحيدة التي تحافظ على حقوق اللاجئين». أمجد العضايلة، مندوب الأردن لدى جامعة الدول العربية.

تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عقب الإبادة الجماعية التي ارتكبها الصهاينة عام 1948، والتي عُرفت بـ»النكبة»، بهدف تقديم المساعدة لثمانمائة ألف فلسطيني نجوا من تلك المجازر. وأصبحت الأونروا شريان حياة حيوي لملايين الفلسطينيين، حيث تُعد الجهة المسؤولة عن تسجيل اللاجئين وذريتهم. وعلى مدى أكثر من 75 عامًا، قدمت الأونروا خدمات التعليم والرعاية الصحية للاجئين، بالإضافة إلى توفير فرص العمل لعشرات الآلاف من العاملين.

مؤخرًا، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانونين جديدين؛ أحدهما يحظر عمل الأونروا داخل ما يسمى «إسرائيل» وفي المناطق المحتلة مثل الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي يعترف بها المجتمع الدولي كأراضٍ محتلة. أما القانون الثاني، فيُصنّف الأونروا كمنظمة إرهابية.

تأتي تلك القوانين ضمن استراتيجية يسعى لها الاحتلال منذ سنوات لطرد الأونروا من فلسطين، بهدف إلغاء مفهوم اللاجئين وإنهاء قضيتهم وتهجيرهم خارج وطنهم المحتل، في مسعى لضم فلسطين التاريخية كاملة، كما يعمل الاحتلال على دمج اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا إليها، وإلغاء كامل حقهم في المطالبة بالعودة أو التعويض في أي ترتيبات مستقبلية، ويتجلى هذا بوضوح من خلال استهداف المخيمات الفلسطينية في لبنان، واستهداف موظفي الأونروا في مقراتهم داخل فلسطين المحتلة.

وقد مثّل «طوفان الأقصى» الحجة المناسبة لتطبيق هذه الاستراتيجية؛ فمنذ بدايته شهدنا توسعًا ملحوظًا لقطعان المستوطنين في الاستيلاء على أراضي ومنازل الفلسطينيين. في هذا السياق، قامت قوات الاحتلال بإخلاء عددٍ متزايد من القرى الواقعة جنوب الضفة الغربية، كما تعرضت مدن شمال الضفة لعمليات قصف جوي واجتياحات متكررة، مما أدى إلى تدمير بنيتها التحتية، في مسعى لترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية بطريقة مشابهة لما يحدث في غزة.

وفي هذا السياق، يُعتبر تصنيف الصهاينة للأونروا كمنظمة إرهابية خطوة محورية تتيح لهم تبرير ملاحقة موظفيها بل واغتيالهم، بما في ذلك الأطباء والمعلمين. بالإضافة إلى ذلك، يتم استهداف وتدمير مباني الأونروا في كل من غزة والضفة الغربية، وامتدت هذه الأعمال الآن إلى لبنان، ويبدو جليًا أن الأونروا أصبحت تشكل ذريعة لضم الضفة الغربية وارتكاب المجازر، تمامًا كما تمثل حركة حماس الذريعة للإبادة الجماعية المستمرة في غزة.

تتحمل الولايات المتحدة وحلفاؤها المسؤولية الكاملة عن هذا القرار، ويبدو أن هناك اتفاقًا مسبقًا على هذه الخطوة وتوزيعًا للأدوار؛ فقد استجابت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وهولندا وألمانيا وفرنسا وكندا واليابان وفنلندا وسويسرا بسرعة لادعاءات الكيان الصهيوني بشأن مشاركة موظفي الأونروا في أحداث «طوفان الأقصى»، واعتبرت ذلك سببًا كافيًا لإدانتها. نتيجة لذلك، توقفت هذه الدول عن تمويل الأونروا، الذي يمثل حوالي 75% من ميزانيتها، رغم أن الوكالة قد دحضت تلك الادعاءات. ومع ذلك، لم يؤدِ ذلك إلى استئناف التمويل من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.

وفي سياق متصل، كانت ردة فعل مجلس الأمن محدودة للغاية، حيث اقتصر طلبه على أن تقوم الدولة المارقة بمراجعة قرارها، فيما أعربت الدول الغربية عن «قلقها» من هذا القرار، مما يعكس تواطؤًا واضحًا مع موقف الكيان الصهيوني وسعيًا نحو تصفية القضية الفلسطينية.

ضرب الكيان الصهيوني بعرض الحائط كل المواثيق الدولية ومؤسساتها، في سابقة قد تؤدي مستقبلًا إلى طرد المنظمات الدولية والإغاثية من مناطق الصراع. ويمكنني الجزم أنه لو كانت دولة أخرى قد اتخذت مثل هذه الخطوة، لكان من المحتمل أن تشهد تدخلًا عسكريًا من قبل حلف الناتو وحصارًا وعقوبات اقتصادية صارمة ضدها.

تاريخيًا، واجهت دول عديدة حروبًا وحصارًا لمجرد تحديها لما يسمى بالشرعية الدولية؛ ففي عام 1991، شنّ الناتو بتفويض من الأمم المتحدة حربًا مدمرة على العراق، رغم موافقته على الانسحاب من الكويت، تلتها سنوات من حصار قاسٍ أودى بحياة الملايين. وفي عام 1999، استهدف الناتو صربيا لارتكابها جرائم ضد الإنسانية، على غرار الإبادة التي تحدث اليوم في غزة، وتكرر التدخل في ليبيا إبان الثورات العربية بحجة قمع المتظاهرين.

لكن هذه المرة، المتهم هو الكيان الصهيوني، الذي أثبت «طوفان الأقصى» أنه فوق القانون الدولي والمجتمع الدولي، مما يكشف عن غياب فعلي للقوانين والمواثيق الدولية التي تبدو وكأنها مجرد حبر على ورق تُستخدم كأداة من قبل الغرب لمواجهة خصومهم.

بالطبع، لم يكن هذا القرار مفاجئًا في ظل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتجويع الذي يعاني منه أهلنا في غزة، تحت غطاءٍ من التواطؤ الغربي.

يبدو أن الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم التي تتصدى لهذا القرار الخطير؛ فلم يكتفِ بإدانته بأشد العبارات، بل قدّم مشروع قرار إلى جامعة الدول العربية لإدانته ايضا، كما تنشط الدبلوماسية الأردنية في محاولة حشد دعم دولي لإدانة هذا القرار واتخاذ إجراءات عقابية بحق الدولة المجرمة.

لكم الله يا أهلنا في غزة.