في ذكرى وعد بلفور المشؤوم
علي ابو حبلة
تمر اليوم ذكرى أحد الأحداث المؤسفة في العالم، والذى جاء على خلفية قيام وزير الخارجية البريطانى آرثر جيمس بلفور بإرسال رسالة إلى اللورد ليونيل وولتر دى روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وهى الرسالة التي عرفت باسم وعد بلفور، وذلك في مثل هذا اليوم 2 نوفمبر عام 1917.
لقد التفتت بريطانيا إلى فكرة تهجير اليهود إلى وطن لهم، تحديدًا عام 1902 فقد عزمت الحكومة البريطانية، على منح اليهود وطنًا لهم فى شرق أفريقيا ثم فكر فى تسكينهم بمدينة العريش المصرية، حسب ما جاء في الموسوعة الفلسطينية.
لم تنجح هذه المحاولات وخلال الحرب العالمية الأولى نشطت الحركة الصهيونية وتواصلت مع ألمانيا وبريطانيا ورجال السياسة في هذه الدول من أجل إقناعهم بأن فكرة الوطن القومي لليهود سيصب في مصلحتهم، وأكدوا لهم أن دولتهم المزعومة ستكون حافزًا لليهود في الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الحكومة هناك من أجل مناصرة الحلفاء.
وفي يونيو عام 1917، التقى زعيم الحركة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان ووالتر روتشيلد باللورد البريطاني كتشنر، في يونيو 1917 حيث طلب قائد الجيش البريطاني من زعماء الحركة الصهيونية صياغة مسودة بيان يعكس رؤية الحركة الصهيونية حول فلسطين ليتم صياغته إلى بيان يُعرض على الحكومة البريطانية للنظر فيه، ثم أصدرت الحكومة البريطانية هذا الوعد المشئوم.
وكان نص وعد بلفور الآتي: «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».
وإذ يحيي الفلسطينيون الذكرى ال 107 لوعد بلفور فما زال الفلسطينيون يتعرضون لأكبر جريمة أباده عرفتها البشرية في تاريخها الحديث، ففي ذكرى الوعد تحل الذكرى بالتزامن مع حرب إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة متواصلة منذ ما يزيد على عام في ظل دعم غربي لتل أبيب من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا.
هذا الدعم الذي باتت حقيقته تنجلي للعالم أجمع وتكشف الوجه الحقيقي لهذا الكيان العنصري الأصولي الديني المتعطش للدماء ، فالصهيونية منذ ولادتها كانت طفيلية انشقت عن القومية اليهودية الأم، وأصبحت فيما بعد ستاراً للإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط بهدف تأمين قاعدة في المنطقة، ولكن السؤال المُهم. لماذا فلسطين بالذات؟. إن الباعث على ذلك هو دافع عقائدي، وإن الولادة الرسمية للصهيونية ذات خصائص دينية تضرب جذورها في مسقط رأس تلك الحركة النمسا، واليهودية النمساوية عملت على تخمير الأفكار الصهيونية التي تبلورت في دولة اليهود التي اعتمدت إلى تأييد منظمة محبي صهيون الروسية. حيث لجأ المُتعصبوت منهم بالإضافة إلى حفظة التوراة إلى رسم جميع أنواع الخطط الدينية الإرسالية باتجاه فلسطين. هنا تَجلَّت كٍتابات هرتزل الشوفينية الدينية التي تركت أثراً وانطباعاً حَسَنَين في ذهن تشامبرلين الذي رأى أن الوقت حان كي تعمل الدبلوماسية البريطانية على دعم الحركة الصهيونية. لأن ذلك سوف يؤدي إلى التعاطف اليهودي العالمي مع بريطانيا، وأن بريطانيا عندئذ سوف تضمن وجود الرأسمال، والاستيطان اليهوديين لتنمية وتطوير ما سيكون لها أراض بريطانية عبر رأس حربة دينية يهودية، وبالنظر مُستقبلاً وحسب وثائق سرية بريطانية أورثتها بريطانيا إلى أميركا قيام إمارة دينية فلسطينية في سيناء لسوف تساعد كثيراً على قيام أمن ونفوذ وامتداد إسرائيل إلى كل أنحاء الوطن العربي.
و رغم المعاناة التي يلاقيها الشعب الفلسطيني على كل الصُعد السياسية والاجتماعية والإنسانية، إلا أن القناعة المتأصلة في وجدان وثقافة الشعب الفلسطيني والتي يتوارثها جيلاً بعد جيل والقائمة على مرتكز مفاهيم عنوانه - الحقوق لا تسقط بالتقادم – فمهما راهن البعض على الزمن إن الشعب الفلسطيني ينحت إجابته في كل مرحلة مفصلية من تاريخه الوطني وبشكل عملي دائماً ويُسدد مقاومته في وجه كل من يُحاول تمرير مخططاته المشبوهة التي تستهدف حقه التاريخي في أرضه وعناوين هذا الحق وعلى رأسها حقه في العودة والاستقلال وبناء دولته المستقلة على تراب وطنه.