مساواة

إسماعيل الشريف

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، أَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى.» – من خطبة الوداع.

قبل أن أدخل المدرسة، كنت أسمع والدي يتهامسان بأن جميع أبنائهما متساوون، وأنهما يحبانهم بنفس القدر. هكذا تربينا.
في الابتدائية، بدأ مفهوم السواسية يترسخ عندما شرح لنا الأستاذ حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.» ثم في المرحلة الإعدادية، قرأنا في المنهاج ما أكده لنا أستاذ الابتدائية في قصة سيدنا أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح.

تقول القصة إنّه في إحدى المرات، حدث خلاف بين أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح. وفي لحظة غضب، قال أبو ذر لبلال: «يا ابن السوداء»، وهو تعبير عنصري يتعلق بأصل بلال الذي كان من الحبشة. شعر بلال بالإهانة جراء هذا الكلام، فذهب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخبره بما حدث. عندما علم النبي بما قاله أبو ذر، غضب غضبًا شديدًا ووجّه كلامه إلى أبي ذر قائلاً: «أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية».

وفي مساق العلوم السياسية في الجامعة، تعلمنا عن المواثيق الدولية التي تتحدث عن حقوق الإنسان، ولعلّ أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذي نص في مادته الأولى على أن «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق.».

ثم عندما خرجنا إلى الحياة العامة، تربينا على أقوال قيادتنا الهاشمية وسمعنا لأول مرة عبارة «من جميع الأصول والمنابت»، وأن الأردنيين متساوون جميعاً أمام القانون. وحضرنا عشرات الجاهات التي ربطت جميع الأصول والمنابت ببعضها البعض، والتي عادة ما تُستهل بالآية القرآنية العظيمة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.».

وبالطبع، قرأنا عن أن الصهاينة عنصريون يربون أولادهم على كراهية العرب، وأن جميع البشر هم أشباه حيوانات بالنسبة لهم. ثم قرأنا عن نظرية التفوق الأبيض العرقية، وعن حركات تحرر السود في الولايات المتحدة، وعن الإبادة التي ارتكبها الرجل الأبيض في العالم الجديد أو في إفريقيا.

ولكننا لم نأخذ هذه القراءات بجدية، ونحن الذين تشربنا المساواة.

إلى أن جاء طوفان الأقصى، فسمعناها بآذاننا: أننا حيوانات لا نستحق الحياة، فليقطعوا عنا الماء والكهرباء والغذاء، وسيبيدوننا كما أبادوا العماليق من قبل. وطبقوا ما قالوه!.

في غزة، يكبر الطفل وسط العنف والقتل والتجويع، يستيقظ وينام على صوت الطائرات والقذائف، وقد يفقد كل أهله. يرتجف الأطفال خوفاً، وتترك هذه المجازر ندوباً وصدمات لا تتحملها الجبال.

ومجتمع دولي بقيادة الرجل الأبيض يدين قتل أي يهودي، في حين يغض الطرف عن قتل آلاف الفلسطينيين، ويقدم آلاف الأطنان من القنابل للصهاينة لقتلنا. يظهر عشرات الإعلاميين في الغرب يسألون الساسة عن استهداف الأطفال، فيردون بأنهم «أضرار جانبية»، وعندما يُقتل محتجز صهيوني بقصف إسرائيلي بقنبلة أمريكية، تقوم الدنيا ولا تقعد.

لم نسمع كلمة إدانة واحدة للصهاينة وهم يرتكبون المجازر ويقتلون الأطفال، ولم نسمع كلمة إدانة لاستهداف مئات الصحفيين وعمال الإغاثة، ولتفجيرات البيجرات التي قتلت وجرحت أكثر من ثلاثة آلاف مدني بلمسة زر. بل إن بعض الساسة اعتبروها ضرورية. قبل أيام، قصفت طائرة سوقاً في غزة، وحُوصرت وأُبيدت أحياء في بيت لاهيا، وكانت ردّة فعل الولايات المتحدة طلب إيضاح!
تخيل.خرج ملايين البشر حول العالم للاعتراض على هذه الإبادة، فواجهتهم السلطات بقوة مفرطة، وكُمّمت أفواههم، وهددوهم بلقمة عيشهم ومستقبلهم.

أقول كان الأجدر بأستاذ الابتدائية أن يحدثنا بحديث الرسول: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم». وكان الأجدر بأهلنا أن يربونا على أن الحق قوة، وكان على أستاذ الجامعة أن يقول إن جميع المواثيق والقوانين الدولية هي حبر على ورق، انقعوها واشربوها.

يا أيها الكيان الغاصب المجرم، ومن خلفه كل من دعمه واسترخص دماءنا، لا تظن أن صمتنا ضعف. قد تعتقد، مخطئاً، أنك أخفتنا. هؤلاء الأطفال الذين نشأوا في حرب الإبادة، وفتحوا أعينهم على الظلم، سيكبرون ويصبحون مقاومين كما كان آباؤهم، لكنهم سيكونون أكثر شراسة وبأساً.

قد تمزق قنابلكم أجسادهم، وتدمر بيوتهم، وتسرق أرضهم، وقد تخترق رصاصاتكم أجسادهم. نبكيهم، ونفرح بابتسامتهم، وبرائحة المسك التي تفوح من أجسادهم. وندعو الله في كل صلاة أن يتقبلهم وأن يلحقنا بهم.

صمتهم ليس ضعفاً، بل لأن عاصفة التحرير آتية، ثم يأتيك من يتساءل بغباء: لماذا يُتهم العرب والمسلمون بالإرهاب؟