ذو الحدين والوجهين!!

بشار جرار

بعض الأمور واضحة وضوح الشمس وترى من ينكرها لا يجادل فيها فقط. بعض الناس مجبولون على الخلاف بدعوى الحق في الاختلاف، لكن اختلافهم لا رحمة فيه وخلافهم لا يبقي أبدا للود قضية.

يكسر حدث دام رتابة الأحداث. بمقدمات أحيانا وأحيان أخرى بلا مسوغات ولا أعذار. تتوالى العواجل. تنقسم الشاشات إلى حد الانشطار. هذا يسرد الخبر وذاك يعلق عن قرب وهناك دائما تجد من يحلل رغائبيا ويعلق لغايات التحشيد والتأطير وكأنه سوق عكاظ وساحة تسجيل أعضاء جدد في معسكر ما ومعسكر مضاد. النتيجة لا شيء سوى مزيد من التشتيت والشقاق وأحيانا النفاق في بحر لجي متلاطم من خطاب التغييب حينا والتجهيل والتضليل والتدليس أحيانا أخرى.

لما جرى بعد ظهر الأحد، لا شكل يعني الفلسطينيين والإسرائيليين قبل أي طرف آخر. يعني «المثلث» والجليل والعرب في إسرائيل أو العرب الإسرائيليين أو مواطني دولة إسرائيل من الفلسطينيين منذ عام 1948. بعد مرور يومين على الحادث، العملية، سمها ما تريد، لا مندوحة عن، لا انفكاك من، التفكير بما جرى من جميع جوانبه. الأمر لا يعني بالضرورة دعما ولا إدانة. حتى الجانب الإنساني سننحيه جانبا أمام غزارة الدماء البريئة المسفوكة على أطهر بقاع الأرض أو إحداها.

ما يعنيني في هذا المقام، من على هذا المنبر الكريم، الدستور الغراء، هو الحرص على سد ثغرة في غاية الخطورة وهي ركوب مشاعر الناس واستغلالها من قبل أبعدهم عن الخير والحق والعدالة. ما يهمني في الصميم هو أصل القضية وجوهرها لا مظهرها ولا أولئك الباطنيين في نواياهم التي أثبتت العقود لا السنين فقط أنهم أساءوا للقضية وقاموا بتعطيل تقدمها وطنيا وقوميا ودينيا وعالميا.

ما من أولوية تسبق أولوية الثبات على الأرض. ما من أولوية تسبق الحفاظ بحق المواطنة والوجود في ما قبل 1948 وبخاصة الجليل الأعلى –»المثلث»- ومواطنو القدس بشرقها وغربها وحملة الهوية الإسرائيلية بحقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية من تأمينات صحة وشيخوخة وغيرها.

قبل تسعة أيام من الانتخابات الأمريكية، ما جرى لن يصب إلا في مصلحة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي قالها مرارا أن حتى المواطنة لا تعني الولاء في إشارة إلى ما يعرف بالتعريف الأمني الاستخباري الموضوعي المحايد بظاهرة «الذئاب المنفردة».

أي سوء تفاهم الآن، قد يجري حسم وبلا تردد بالقتل من «مسافة صفر». حتى لو تبين أن السائق الذي نفذ عملية الدهس بنية القتل لم يكن مدركا لما حدث كأن يكون مخمورا أو متعاطيا للسموم المخدرات أو تسارعت مركبته ذاتيا جراء خطأ برمجة كما يحذر بعض المشككين بسيارات القيادة الذاتية ومن ضمنها حتى تسلا رائعة إيلون ماسك!.

أعرف عن قرب من بريطانيا وأمريكا كيف تكون ردود الأفعال بعد كل حادثة من هذا النوع، حيث يتم تشميس مجتمع بأكمله.

يوما ما استخدم ارهابيان من القاعدة الغيار الداخلي لحشو المتفجرات ومن قبله بنحو عقد حشا شخص حذاءيه بالمتفجرات مما عطل الملايي ن حول العالم جراء التفتيش الآلي والتدقيق الشخصي بحثا عن تحويل وسائل النقل إلى ساحات مواجهة، تماما كما تفشت هذه الظاهرة في مبان ووسائط كان ينبغي أن تبقى بعيدة عن أي صراع وتحت أي ذريعة.

ليتنا -مؤيدين ومعارضين- من أي قضية كانت نلتمس العذر لأنفسنا كإخوة أولا وآخرا في مركب واحد. نسمع ونستمع ونصغي إلى بعضنا بعضا، فالحقيقة كما الحق ليس حكرا على أحد. ما جرى خطأ مركب بعيدا عن التمجيد أو التنديد. خطأ سياسي قانوني فادح الثمن. فليذكر بعض الغافلين من ذوي النوايا الحسنة، أن هناك من يريد تفجير الأوضاع في الضفة الفلسطينية غرب نهر الأردن أو هناك من يريد -في الجانب الإسرائيلي- القضاء على حل الدولتين وحتى الدولة الواحدة «إسراطين»! وهذا يعني الطرد القسري الناعم والخشن. وهذا ما يتطلب إعمالا للعقل للتصدي له بكل الوسائل المشروعة ومن قبل الجميع خاصة الفلسطينيين والأردنيين والمصريين واللبنانيين والسوريين. حتى العراق ليس ببعيد، فثمة من روج قبل عقد إلى ترحيل جماعي أو تدريجي إلى غرب العراق وإلى إقليم كردستان العراق. ما يجري خطير كبير جلل..