في مواجهة خطة الجنرالات

علي ابو حبلة

حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من وصول شحنات المساعدات لأدنى مستوياتها لأنحاء غزة كافة منذ شهور. ويشير المكتب إلى أن «الناس استنفدوا كل السبل للتكيّف، وانهارت أنظمة الغذاء، ولا يزال خطر المجاعة قائماً».

بدوره، يتوقّع كريس هدجز، مدير مكتب نيويورك تايمز الأسبق في الشرق الأوسط، أن الحصار الشامل المفروض على شمال غزة سيفرض في المرحلة التالية على جنوب غزة موتاً تدريجياً. والسلاح الأساسي، كما هو الحال في الشمال: التجويع.

رفضت مصر والدول العربية الأخرى النظر في قبول اللاجئين الفلسطينيين. لكن «إسرائيل» تراهن على خلق كارثة إنسانية ذات أبعاد كارثية لدرجة أن هذه البلدان، أو غيرها من البلدان، سوف تستسلم حتى تتمكّن «إسرائيل» من إخلاء غزة وتحويل انتباهها إلى التطهير العرقي في الضفة الغربية. هذه هي الخطة، وإن كان لا أحد، بما في ذلك «إسرائيل»، يعرف ما إذا كانت ستنجح.

مؤخّراً، اشتكى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في آب/أغسطس الماضي علناً من أن الضغوط الدولية تمنع «إسرائيل» من تجويع الفلسطينيين، «حتى وإن كان ذلك مبرّراً وأخلاقياً إلى أن تتمّ إعادة رهائننا».

وفي مواجهة مخطط الجنرالات يبذل الأردن جهودا خلف الكواليس لوقف المذبحة وحرب الاباده التي يمارسها جيش الاحتلال بحق الأهل في شمال غزه ويبذل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي جهودا في هذا المضمار لمنع التهجير وضرورة إدخال المواد الغذائية والطبية لشمال قطاع غزه ، وبحسب مصدر مسئول في وزارة الخارجية الأردني « بأن وقف المذبحة والتهجير في شمالي القطاع هو الهدف الأساسي للحراك الأردني في هذه المرحلة الصعبة.

وما قيل لوزير الخارجية الأمريكية بلينكن يعكس الموقف الأردني الرافض لكل ممارسات الاحتلال وهو نابع من قناعه أردنية بأن ما يجري لأهل الشمال في غزة ليس عملية مرتبطة بأي هدف أمني أو عسكري، والخشية أن البيت الأبيض يدعم هذا المسار الدموي وخطة الجنرالات برأي المراقب والمحلل السياسي الفلسطيني الأمريكي البارز الدكتور سنان شقديح، كانت موجودة على الطاولة ومنذ أسابيع، ولم تكن أصلاً سرية.

بالتالي، كانت الحكومات العربية برأي شقديح تستطيع التصرف في وقت مبكر لمنع الاسترسال في محاولة فرض هذه الخطة باعتبارها واقعاً موضوعياً جديداً يمكن في ظل حسابات الانتخابات الأمريكية الرئاسية أن تعبر وبدون ضجيج.

وزير الخارجية الاردني ، أيمن الصفدي، الذي طلب تأجيل لقاء يجمع بينه وبين الوزير الأمريكي، أنتوني بلينكن، في عمان، اتفقا على لقاء يجمعهما في لندن وهدفه تغيير الأمر الواقع الذي يجري في شمالي قطاع غزه ، وقد أبلغ الصفدي بأن بلاده مصرة تماماً على وقف العملية العسكرية الأمنية الإسرائيلية في بيت لاهيا وجباليا شمالي القطاع باعتبارها مؤشراً إضافياً على التهجير.

وما تسرب عن مسئولين بارزين في الخارجية الأردنية هو أن الصفدي أبلغ بلينكن بأن الأردن لا يمكنه، بحال من الأحوال، قبول الوقائع التي يفرضها الجيش الإسرائيلي الآن على شمال قطاع غزة، لا بل قيل في لندن للأمريكيين بأن المطلوب ليس فقط التدخل لوقف ما تسمى بخطة الجنرالات، ولكن الإعلان عن نفي هذه الخطة وإخراجها عن السكة ووقف عمليات الجيش الإسرائيلي شمالي قطاع غزة «الآن وفوراً» وبدون تردد على أن يعقب ذلك إدخال كمية هائلة من المساعدات إلى المناطق شمالي غزة لكي تساعد السكان في البقاء على الأقل حتى بين الركام.

والأردن الذي أعرب مرارا وتكرارا عن رفضه لعملية التهجير القسري والطوعي وأعلن عن رفضه المطلق لاستقبال المهجرين لم يقف عند حدود الموقف السياسي في هذا السياق الذي يتخذه.

لكن استعد في تحضير كمية كبيرة من المساعدات الإغاثية لإدخالها إلى شمال غزة بناء على وعد أمريكي لكن هذا الوعد لا يطبق حتى الآن لدرجة أن إيقاف ما يجري في شمال غزة أو ما تسمى بخطة الجنرالات أصبح هتافاً لمسيرات واعتصامات وتظاهرات الشارع الأردني.

وهناك تماهي في المواقف الشعبية مع الموقف الرسمي الأردني في البيانات التي تصدر عن المنابر الوطنية لدعم أهل غزه ، وهناك إجماع وطني أردني ، بأن خطة الجنرالات تتعارض مع مصالح الأمن القومي الأردني من باب أن تهجير الفلسطينيين وقضم الأرض والاستيطان فيها وبالتالي تحقيق سوابق تسمح بتهجير أهل الضفة الغربية، الأمر الذي يعكس تماماً مفاهيم المخاطر الأردنية.

الأردن الذي سبق له وأعلن أن التهجير هو بمثابة إعلان حرب فان التهجير أمر مرفوض أردنيا ومصريا وعربيا في قطاع غزه والضفة الغربية وبات مطلوبا اتخاذ موقف أمريكي وأوروبي ضد خطة الجنرالات ووقف المذابح وحرب الإبادة في شمال غزه وسرعة اتخاذ الإجراءات لإدخال المواد الغذائية والاغاثية وسرعة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب والانسحاب من قطاع غزه وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وجميعها تقر بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحق تقرير المصير.