معالي النائب والوزير والعين السابق السيد بسام حدادين،،،


قرأتُ ما كتبتَ في مقالِك الأخير، وحقّاً ما كنا لنقف عليه لولا غوصك في متاهات النقد وإحاطتك مشهد الدولة بسديم من الادعاءات والمبالغات التي تتماهى مع رغبتك في موضع كنتَ تراه حكراً عليك، لا حَقَّاً مستحقاً لغيرك. أترانا أمام ما لا يُدرك يعاب، أم أمام أنين مقاعد ماضية استبدلت بمن هم أليق بثقل الدور وأعمق رؤيةً في فهم حاجات الوطن؟

أما وقد أوغلت في تخيُّل أنّ هناك "عودة للوراء”، فإن استحضارك لمثل هذا التشبيه ليس إلا مظهراً لما خفي من تذمرك لكونك لست في عداد من اعتُمدوا في تشكيلة مجلس الأعيان الجديد؛ مجلس يعلو بالوطن وقادته عن مصالح من اعتادوا التمترس في المواقع وإقفال أبوابها عليهم.

لتعلم أن ما تصفه بـ”الانتكاسة” ليس إلا استجابة عميقة لتحولات وطنية تستجيب لتحديات وتوازنات تستوعب الماضي بوعي وتنفتح على المستقبل بثقة. فإن لم تُمنح موقعاً في هذا التكوين، فذلك لأن المنطق الذي يسوده هذا المجلس اليوم بات يضيق ذرعاً بمن يستحضر تاريخه الشخصي ليقيس عليه مصلحة الوطن.
ما يبرز من كلماتك ليس فقط التشكيك بل السخط المغلّف بتعميمات وإيحاءات، وكأن مجلس الأعيان – ذلك الركن الثابت والمتزن – قد حاد عن رسالته لمجرد اختلاف الرؤية من وجهة نظرك، وهي رؤية تتمسك بظل سلطة "أخلاقوية” دعيت إليها ذات يوم ولم تتقبّل يومئذٍ الحد الأدنى من التغيير أو الاعتراف بالتحولات الوطنية.

عجباً، كيف تجرّأت على تقديم نفسك ناقداً للنظام، محذراً من سيطرة من تسميهم "الطبقة المحافظة”؟ وكيف تطلب دمقرطة صنع القرار، وأنت في الماضي جاهدت لوأد مساعي التجديد وسجنت قراءاتك خلف أسوار رؤية تقليدية لا ترى غير مصالح ضيقة؟

إن مجلس الأعيان بتركيبته اليوم ليس انتكاسة، بل رافعة وطنية تتماشى مع احتياجات الأردن المعاصرة؛ فنحن أمام مؤسسة دستورية تؤدي دورها باعتبارها جزءاً من السلطة التشريعية، تسعى للتوازن في اتخاذ القرارات بحكمة ومرونة لا يراها من تأسره أيديولوجيا مثقلة بميراث التشكيك والتمرد على كل تحديث لا يصفّق له.

صديقي وعزيزي بسام حدادين حفظه الله ، إنّ الأعيان لم يكن يوماً مسرحاً للحسابات الشخصية ولا مرآة لمصالح فردية أو حزبية ضيقة، بل ساحة تمتزج فيها أطياف الخبرة مع رؤى استشرافية تتجاوز "النرجسية السياسية” التي باتت منكشفة في طيّات كلماتك؛ فإنّ الدولة حين اختارت وجوهاً عرفت بتفانيها وولائها، كانت تضع نصب عينيها مصلحة الشعب فوق أهواء الأفراد، وإن ساء ذلك من ظن أن للانتماء والوطنية تعريفاً خاصاً على قياسه.
إن مجلس الأعيان لم يُشكَّل ليكون مسرحاً لمن ملأ الدنيا ضجيجاً ولا لمن ظنّ أنّ الوطن مِلكٌ خاص. مجلس الأعيان اليوم، بما يضم من وجوه فذة وضمائر مخلصة، ما هو إلا حصن حكيم يعكس تطلعات شعب ويرسّخ الأمل بأن المستقبل لنا جميعاً، لا لأصحاب الأصوات العالية ممن لم يستسيغوا البقاء خارج دائرة القرار.

تذكّر يا سيدي أن التاريخ يحفظ للذين آمنوا بالوطن كلماتهم وأفعالهم، أما من اكتفوا برسم فصول الذات، فما هم إلا عابرون في صفحاتٍ تُطوى ولا تذكر.