نفاد الذخيرة

إسماعيل الشريف

«إسرائيل» لا يمكن أن تبقى بمفردها وسط هذه البيئة الصعبة، وألمانيا ملتزمة بحماية أمنها بكل ما لديها من قدرات. - ميركل
هل سيصل الكيان الصهيوني، خلال الأسابيع المقبلة، إلى مرحلة يضطر فيها للاختيار بين حماية سكانه أو حماية معسكراته ومواقعه الاستراتيجية، بسبب تراجع مخزون الذخيرة، لا سيما الذخيرة المتقدمة وغير التقليدية؟

ما دفعني إلى هذا التساؤل هو ما ورد في الأخبار والتحليلات الصحفية:

·بعد أسابيع من تبجح ساسة الصهاينة بإعادة إيران إلى «العصر الحجري»، شنّ الكيان الصهيوني هجومًا فجر السبت الماضي، لكن الضربة جاءت ضعيفة وباهتة. تلاها تصريح من الرئيس الأمريكي بايدن، عبّر فيه عن أمله في ألا يكون هناك ردٌّ إيراني، محذرًا من أن أي ردّ قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الغرب. يبدو أن هذا الهجوم كان مدروسًا بضعفه، لتجنّب استفزاز إيران. ومن بين الأسباب المحتملة لذلك، عدم امتلاك الدولة المجرمة ما يكفي من الصواريخ للتصدي للصواريخ الإيرانية، مع تفضيل توجيه مخزونها نحو صواريخ حزب الله. وتشير تقارير إلى أن نظام «ثاد» الأمريكي، الذي نصبته الولايات المتحدة في الدولة المارقة قبل اسابيع، غير قادر على التصدي للصواريخ بعيدة المدى.

.بدأ الكيان الصهيوني في استخدام البراميل المتفجرة في شمال غزة، وهي أسلحة بدائية ذات قوة تدميرية هائلة. في عام 2014، أدان مجلس الأمن استخدامها واعتبرها نوعًا من إرهاب الدولة. ويُعزى أحد أسباب لجوء الدولة المارقة إلى هذا السلاح إلى رغبتها في الحفاظ على مخزونها من القنابل التقليدية.

.في الأسابيع الأخيرة، لوحظ ارتفاع كبير في نسبة سقوط صواريخ حزب الله داخل الأراضي المحتلة، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة منها أن الكيان الصهيوني بدأ بتقنين استخدام صواريخ منظومة القبة الحديدية. فلكي تعمل القبة بكفاءة وتحقق نسبة تصدي تبلغ 90%، يتطلب الأمر إطلاق ثلاثة صواريخ مقابل كل صاروخ معادٍ، بينما إذا أُطلق صاروخ واحد فقط لكل صاروخ، فإن نسبة النجاح تنخفض إلى 55%.

·في 3 يناير 2024، نشر موقع ريل كلير ديفنسReal Clear Defense، المعني بالأخبار والتحليلات العسكرية، تقريرًا يفيد بأن الولايات المتحدة تعاني من شح في الذخائر عالية الجودة بسبب نقص بعض المعادن الأساسية التي تدخل في عمليات التصنيع. هذه المعادن تُصدّر بكميات كبيرة إلى الصين، مما جعل مخزون الولايات المتحدة منها في أدنى مستوياته منذ خمسينيات القرن الماضي.
·وفي تقرير نشرته شركة هدسون للأبحاث بتاريخ 30 أبريل 2024، أكدت أن «الدولة المارقة» تواجه نقصًا حادًا في مخزون صواريخها.

·ووفقًا لصحيفة «تايمز أوف «إسرائيل»»، فإن حزب الله لم يستخدم سوى 10% من ترسانته الصاروخية، وهو قادر على إطلاق آلاف الصواريخ يوميًا، إلا أنه يختار التصعيد التدريجي المدروس بعناية.

·صرّح إسحاق أوريون، الخبير العسكري الإسرائيلي المتقاعد، لصحيفة «فاينانشال تايمز» بأن الكيان الصهيوني بدأ باستخدام أسلحة ثقيلة جدًا بسبب نقص الصواريخ. وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن الجيش الصهيوني يدير مخزونه من الذخيرة بصرامة شديدة، بحيث يتطلب استخدامها موافقات من رتب عسكرية عليا.

·بدأت تتشكل صورة ضبابية ومتشائمة في الدولة المارقة بشأن استمرارية تدفق الذخائر، حيث أوقفت العديد من دول الاتحاد الأوروبي أو قنّنت تصدير الأسلحة للكيان الصهيوني. كما وجّهت الولايات المتحدة رسالة للكيان، منحته فيها مهلة شهر لإدخال المساعدات، مهددةً بإمكانية مواجهة صعوبات في تزويده ببعض الذخائر. وقد يُنظر إلى هذه الرسالة من زاوية انتخابية بحتة.
وبعيدًا عن التحليلات والأخبار، يقضي المنطق بأن الحفاظ على نفس زخم تزويد الكيان الصهيوني بالسلاح يبدو أمرًا صعبًا. فالولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو يعملون حاليًا على ثلاث جبهات: الروسية-الأوكرانية، الصينية-التايوانية، ودعم الكيان الصهيوني. لذا، من الطبيعي أن يبدأ الكيان في مواجهة نقص متزايد في الذخائر.

إن المشهد الحالي على الجبهات يشبه مباراة ملاكمة غير متكافئة، يتلقى فيها الملاكم الفتي وابلا من اللكمات من حامل اللقب الذي يحابيه الحكم وتعلو أصوات مشجعيه، إلى أن تستهلك قوته ويسقط وحده، ويظل الفتى واقفًا حتى النهاية. في هذه المعركة، تبدو المقاومة، رغم الأثمان الإنسانية الباهظة، صامدة حتى آخر الجولة، بينما يستنزف الكيان الصهيوني قواه، غير قادر على مواصلة وتيرة القتال بنفس الاندفاع. فكما يفوز الملاكم الذي يتحمل حتى النهاية، تلوح في الأفق نتيجة تصبّ في مصلحة الصمود والصبر، معلنةً هزيمة إستراتيجية للعدو رغم كل ما حققه من انتصارات تكتيكية.