أفلا نتعلم من الحرس؟

بشار جرار

من نافلة القول إن من أغلى الناس على قلوبنا أولئك الذين يحبون أحباءنا. فما بالك إن كان الحب فداء. في الثقافة الأمريكية، وعند ذكر المحبة والولاء والفداء يشير الناس -مدنيين وعسكريين، داخل الخدمة وخارجها- يشيرون إلى مثال الحرس السري «سييكرِت سيرفِس»، فيقال فلان يحبك إلى حد فدائك بنفسه، فيحول بين الرصاص وبينك «تيكينغ أَ بُلِتْ فور يوو».

ورغم أن منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في بلاد العم سام يمارسون حقهم الانتخابي في الاقتراع والانتساب إلى الأحزاب، إلا أنه «من غير اللائق» وفي بعض الحالات «من المحظور» تبني أو الترويج للحزب الذي ينتنمي إليه كجمهوري، ديموقراطي، «لِبريتيريان»، الخضر أو حتى كمستقل. لا بل ويذهب الأمر إلى حد حظر إبداء الرأي خاصة في المواقع القيادية -حتى لا يتأثر بذلك من يقودهم أو الرأي العام- إبداء الرأي من قرارات كبرى حتى وإن كانت القضية الأولى التي تتصدر اهتمامات الأمريكيين كافة، كحربي العراق وأفغانستان، الانسحاب من الشرق الأوسط، حرب أوكرانيا والسابع من اكتوبر.

الولاء والمحبة صنوان في ثقافتنا المشرقية ونحن -بأمانة وموضوعية- مهد الأديان والحضارات، ويضاف إليهما أقنوم آخر هو الخدمة. الخدمة العسكرية تبقى الأرقى والأسمى وكذلك الروحية كما لدى المنقطعين عن الدنيا وما فيها، مكرسين حياتهم للخدمة الروحية في الأديان كافة، ومنها التصوف والرهبنة.

لكن من اللافت للانتباه والجدير بالتأمّل بإمعان، تلك المساحة الرحبة وذلك البعد العميق من مفهومي الولاء والانتماء. هي واضحة جلية لدى المهنيين و»الرساليين» إن جاز التعبير. كما في الطب مثلا. الطبيب الإنسان النطاسي يقدم أفضل ما لديهم من معرفة وخبرة متراكمة لكل روح دون تردد أو تحفظ لأي اعتبار كان. وكذلك رجال الإطفاء والإسعاف، وكذلك حرس الحدود لا يفدون -كما الحرس الخاص- من يحموه فردا أو مجموعة بل يفدون شعبا بأكمله وأكثر. هم يحمون الأردنيين وضيوفهم -لاجئين ومقيمين ووافدين وسواحا- من الإرهاب ومن إرهاب المخدرات تلك السموم التي أبدع إعلام الأمن العام منذ مطلع التسعينيات عندما أطلق حملة شعارها «لا تُجَرّبْ».

هذه الروحية في الانتماء فالولاء، المحبة فالخدمة فالفداء، هذه الروحية التي تصنع مئويتنا الثانية التي لن يقوى عليها أحد. شكرا لصاحب كتاب «حارس النهر» للأخ سعود الشرفات أحد بواسل المخابرات العامة المتقاعدين، الذي أهداني خير رفيق وجليس على متن طائرة العودة -عمّان واشنطن- العودة من حج هذا العام إلى الديار الأردنية المباركة صوب بلدي الثاني أمريكا المباركة أيضا بمشيئة الله وحسن الاختيار في الخامس من نوفمبر.

أيا كان الرئيس المقبل، ثمة حرس رئاسي يفتدي الرئيس بالأرواح، وبين هؤلاء الحرس، جمهوريون وديموقراطيون ومستقلون، بينهم كما عرفت من لا تعنيه السياسة كلها في شيء! شعاره: الله، الأسرة، البلد «غاد فامِلي كانتري».

ربنا احفظ بلادنا وارعى قادتنا لما فيه رضاك وصلاحنا أجمعين.