تحقيق التنمية المستدامة
ديما القيسي
الاستقرار في الأردن حجر الزاوية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاجتماعي والاقتصادي. المملكة، التي تتمتع بموقع استراتيجي في منطقة تشهد توترات وصراعات مستمرة، تواجه تحديات داخلية وخارجية على مستويات متعددة، ومن هنا، يصبح الحفاظ على الاستقرار ضرورة قصوى، ليس فقط لضمان الأمن الداخلي، ولكن أيضًا لتعزيز الاقتصاد وجذب الاستثمارات التي تسهم في رفاهية المواطن وتحقيق التنمية الشاملة.
النمو الاقتصادي يعد أحد المؤشرات الأساسية التي تعكس أهمية الاستقرار في الأردن، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.4% خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ما يعكس تحسنًا في الأداء الاقتصادي على الرغم من الظروف الإقليمية الصعبة.
وهذا التحسن لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة سياسات حكومية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الاقتصادية وتهيئة المناخ الملائم للاستثمار، فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الأردن 413 مليون دينار خلال النصف الأول من هذا العام، مقارنة بـ 396 مليون دينار خلال نفس الفترة من عام 2023، بنسبة ارتفاع بلغت 4%، وهذا يعكس الثقة المستمرة التي يوليها المستثمرون الدوليون للأردن كبيئة آمنة ومستقرة.
من جهة أخرى، يلعب قطاع السياحة دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد الأردني. فالسياحة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي أداة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال توفير فرص عمل وتحفيز التنمية المحلية، فففي عام 2023، ساهم الدخل السياحي بنسبة 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى نسبة تحققها المملكة منذ 24 عامًا، ويعود هذا النجاح إلى تنوع المواقع السياحية التي يمتلكها الأردن، بدءًا من مدينة البترا، إحدى عجائب الدنيا السبع، وصولاً إلى المواقع الدينية المعترف بها دوليًا، وهذا التنوع، بجانب الأمن والاستقرار الذي يوفره الأردن لزواره، جعل المملكة وجهة مفضلة للسياحة الثقافية والدينية على مستوى العالم.
القطاع الصناعي أيضًا يلعب دورًا حيويًا في تعزيز استقرار الأردن الاقتصادي، حيث يساهم القطاع بأكثر من 24% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد مصدرًا رئيسيًا لتوليد فرص العمل، حيث يوفر حوالي 15 ألف فرصة عمل جديدة سنويًا.
ويصل الإنتاج الصناعي الأردني إلى أكثر من 130 دولة، ويتم تصدير حوالي 1200 سلعة، ما يعادل 30% من إجمالي السلع المتداولة عالميًا، وهذه الإنجازات الصناعية لا تأتي فقط لتدعم الاقتصاد، بل تعزز من قدرة الأردن على تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المجالات الاستراتيجية مثل الصناعات الغذائية والزراعية.
ورغم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، مثل ندرة المياه، تمكن الأردن من تحقيق نمو مستدام في إنتاج الخضار والفواكه، مما أدى إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في العديد من المنتجات الزراعية الأساسية.
وتعمل الحكومة من خلال الاستراتيجية الوطنية الجديدة للأمن الغذائي على تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية وتعزيز التقنيات الزراعية الحديثة، وهو ما يسهم في مواجهة التغيرات المناخية وضمان الأمن الغذائي للأردن في المستقبل.
التعليم، بلا شك، يعد ركيزة أساسية في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، فقد شهد قطاع التعليم في الأردن تحسنًا كبيرًا خلال العقود الماضية، حيث ارتفع متوسط عدد سنوات الدراسة من 5.28 سنة في عام 1991 إلى 10.45 سنة في عام 2021، وهذا التطور يعكس الاستثمار الكبير في التعليم كأداة لتعزيز وعي الأجيال الصاعدة وتمكينهم من مواجهة التحديات المستقبلية.
كما شهدت المملكة زيادة في عدد المدارس، حيث وصل عدد مدارس وزارة التربية والتعليم إلى 4005 مدرسة في عام 2022، مع تحسين مستوى المعلمين والمرافق التعليمية، مما يعزز من جودة التعليم ويهيئ الطلاب لمواجهة سوق العمل.
إلى جانب التعليم، تعتبر ريادة الأعمال محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في الأردن. فالأردنيون يمثلون 23% من رياديي الأعمال التقنيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يعكس قوة الابتكار والإبداع في المملكة، حيث تقدم الأردن في مؤشر الريادة العالمي من المرتبة 56 إلى 49 من أصل 137 دولة، ويستمر في دعم الابتكار وريادة الأعمال من خلال سياسات حكومية داعمة وبرامج تمويل مخصصة.
في الختام، لا يمكن الفصل بين الاستقرار السياسي والاقتصادي في الأردن، فالحفاظ على هذا الاستقرار يعد ضرورة لضمان التنمية المستدامة وتحقيق مستقبل أفضل للأردنيين.
و تحت قيادة جلالة الملك، يبقى الأردن صامدًا أمام التحديات الإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحرب على قطاع غزة، ودعم مواقف جلالة الملك في هذه القضايا يعزز من وحدة الجبهة الداخلية ويضمن بقاء الأردن نموذجًا للاستقرار والازدهار في المنطقة.