أكثر من أرقام وأعمق من لغتنا
نيفين عبدالهادي
لا أدري ماذا تبقى؟!، أكاد أجزم، بل أُجزم انه لم يتبق من جرائم الحرب والإبادة الجماعية، والموت من الجوع والعطش، وتدمير الطفولة وحقوق المرأة والإنسانية، وحتى البنى التحتية لم ترتكبه إسرائيل على أهلنا في غزة، بل نحتاج لغة وتفسيرات جديدة لكل ما سبق، كون إسرائيل حقيقة تجاوز ما نعرفه وما شهدته البشرية من جرائم حروب!.
في بدايات الحرب على أهلنا في غزة كنّا نتحدث عن الشهداء بأنهم ليسوا أرقاما، ليصبحوا اليوم حالة من الأرقام، هم اليوم أكثر من أرقام، وأعمق من لغتنا، ليسوا مجرد أرقام، يزداد العدد ساعة بعد ساعة، ودقيقة تلو الأخرى، ومن لم يستشهد اليوم ينتظر الشهادة غدا، ومن خرج على قيد الحياة بعد قصف مكان ايوائه، شكى جسده من بتر لأحد أطرافه، وربما كلها، ناهيك عن الوضع النفسي الذي بان يحتاج حقيقة مساقات جديدة تدرّس بالجامعات ليتمكن دارسوها من علاج من نجا من أهل غزة.
لست باحثة عن وصف لما يعانيه أهلنا في غزة، لكن حقيقة أحاول ولو بالنزر اليسير من كتابة ما لم نعد نتحمله، أو حتى نستوعبه، فواقع الحال تجاوز الخطر، حدّ المجازر، ما يجعل من الكلمة تصل الحناجر دون أن تجد تعبيرا «يحكيها»، علقت كلماتنا في حناجرنا، لم نعد نجد ما يحكي ما نراه، ونكتب ما يحدث من مشاهد مروّعة، والتي تزداد قساوة بمرور الأيام، دون أن نسمع صوتا يقول (كفى)، ما يحدث يحتاج قرارات فورية، والابتعاد عن دور المُتابع والمُشاهد، والأخذ بتحذيرات الأردن على محمل الجد.
تحذيرات أردنية، ومطالب لم ولن تتوقف لوقف الحرب على أهلنا في غزة، وعلى الفور، ووقفا دائما، وتسهيل ادخال المساعدات الانسانية والإغاثية، ذلك أن بقاء الحال على ما هو عليه من إجرام، حقيقة سيكون القادم خطيرا، في أقل تقدير، ما يحدث في غزة يجب أن يتوقف على الفور، اغفال جرائم إسرائيل وترك غزة خارج العالم، وخارج أدبيات الحياة الكريمة، وأخلاقيات العيش الطبيعي، جريمة يشارك بها العالم والمجتمع الدولي، الذي لم يحرّك ساكنه كل ما يقع على أهلنا في غزة، ولم يسمع نداءات الأردن بوقف فوري ودائم للحرب، يجب استنهاض ضمائر العالم، لانقاذ ما تبقى من غزة.. غزة العزّة التي سطّرت تاريخا لها وحدها، بأحرف ذهبية!!