الوطن ثم الوطن ثم الوطن
نيفين عبدالهادي
ليس بالضرورة أن يكون الاستغلال ماديا، فالأخطر أن يكون عاطفيا، وفي ذلك مشكلة كبيرة كون ذلك يأخذ تفكير البشرية لجهة تسلبهم قدرتهم على التقييم الحقيقي للمواقف، علاوة على سرعة ردة الفعل ما يجعل من نتائجها حتما سلبية ومضرّة لمرتكبها وربما للمجتمع بأكمله، وللأسف هناك من يتقن هذا النوع من الاستغلال بشكل كبير، لغاية واحدة وهي الشعبوية.
لا أريد طرح قضايا محددة فيما يخص هذا الجانب، لكن في حبّ الوطن وحبّ فلسطين، وحبّ عروبتنا، يجب أن يُدرك الجميع أن هذا الجانب «فعل حُب» وليس مجرد كلمات وشعارات رنانة كما فقاعات الصابون تظهر في أجواء مرحلة وظرف وسرعان ما تغيب لمجرد انتهاء هذا الظرف، ما يجعل من الاستغلال العاطفي لأي ظرف أو حدث وجعل المواطن يتجه بتفكيره وحاضره وحتى حلمه بتحكّم العاطفة به، هو من أخطر أساليب التأثير التي حقيقة لا نتائج لها سوى مزيد من السلبية وربما الدمار وسلب مقومات الأمن والسلام والاستقرار.
في رسائل جوهرية وهامة تضمنها حديث رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان أمس الأول خلال جلسة مجلس الوزراء، قال «نحن دولة متماسكة بشعبها ومؤسساتها ولن نسمح بأي تجاوز على القانون والمؤسسات الوطنية أو استغلال الناس وعواطفها من قبل أي جهة كانت داخلية أو خارجية في هذه المرحلة العصيبة والدقيقة لأهداف سياسية والمتاجرة بحياة الناس بالشعارات دون أدنى مسؤولية»، وضوح القول وحسم الرسالة وعمق المعنى، وما هو هام لجوء البعض لاستغلال عواطف المواطنين، وهو ما يجب التنبه له ورفضه رفضا قاطعا، فذلك أن حبّ فلسطين بات جزءا من حياتنا، إن لم يكن أساسا لها، ما يجعل من اللجوء للعاطفة وصولا لغايات مشبوهة ومرفوضة، ولن تقود سوى لفوضى وتخبّط، لن يُسمح به رسميا ولا شعبيا، وحقيقة لمن لا يُدرك خطورة المرحلة عليه أن يُراجع أبجدياته السياسية والأمنية ليدرك أن استغلال عواطف الناس بشكل غير محمود.
لسنا في مقام نستعرض به ما قدّم الأردن لفلسطين، ولم يحدد هذا العطاء بزمن أو تاريخ، هو دعم متجذّر بالتاريخ، ما يجعل من أخذ ردة الفعل لجهة العاطفة والقول بضرورة تقديم ما يخدم القضية الفلسطينية، وذهاب البعض للتحريض بما يعرّض أمن الوطن للخطر، كما قال الدكتور حسان» التعبير عن الدعم والتضامن مع أهلنا وإخواننا في فلسطين موقف كل الأردنيين بدون استثناء، لكن التحريض الذي يعرّض أمن الوطن وسلامة المواطن للخطر موضوع مختلف تماما، ولن نقبل ذلك بأي شكل من الأشكال ومن أي جهة كانت، مشددا على ان أمن الأردن واستقراره وسلامة شعبه فوق كل اعتبار، وأن مصلحتنا الوطنية هي الأولوية الأولى التي لا يعلو عليها شيء إطلاقا. وفي قوة هذا البلد ومنعته قوة لصمود أهلنا في فلسطين»، حقيقة واضحة جليّة تلغي أي مساحات ضبابية لا أعنيها هنا بالمشهد العام إنما في عقول بعض الساعين لجرّ الوطن والمواطن لحالة من الانهيار، والخطر.
الوطن ثم الوطن ثم الوطن، دون ذلك ليس خطا أحمر فحسب، إنما جريمة لن يسمح بها الأردنيون كما لن يسامحوا بها، وفي غضبة الأردنيين عهد بحماية الوطن بأهداب العيون، سيما وأنه كما قال رئيس الوزراء في قوّة الأردن قوّة لصمود أهلنا في فلسطين، وهذه مسلّمة وطنية يتشبث بها أهلنا في فلسطين، وكما أسلفت نحن في الأردن نرى في الحب «فعله» وليس قوله، لا نحتاج من يحفّز عواطفنا أو يستغلها.