غزة تُباد وصمت دولي وعربي مريب
يحيى الحموري
في قلب قطاع غزة، في بيت لاهيا، ارتكب الكيان الفاشي والنازي مذبحة جديدة تضاف إلى سجل جرائم الاحتلال الملطخة بدماء الأبرياء. شهداء يتساقطون بالمئات ، بينهم أطفال ونساء، وعائلاتٌ كاملة قُصفت من الوجود، تحت أنقاض بيوتهم التي هدمتها الطائرات الإسرائيلية. ومصابون يتلوون ألماً، جراحهم تصرخ استغاثةً من ظلمٍ طال أمده، وعدوانٍ بلغ ذروته دون أن يجد ردعاً من عالمٍ يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
أي جريمة هذه التي لا يتحرك لها الضمير العالمي؟ وأي قسوة تلك التي تجتاح نفوس أولئك الذين يتابعون المشهد دون أن تُطرف لهم عين؟ مشاهد البيوت المنهارة على رؤوس سكانها في بيت لاهيا، والموت الجماعي في مخيم جباليا، هي إعلانات عن إفلاس النظام الدولي الذي ظلَّ لعقودٍ يُردد شعارات العدالة وحقوق الإنسان، لكنه اليوم يقف عاجزاً، بل ومتواطئاً، أمام آلة القتل والتدمير الإسرائيلية.
أي مأساة هي تلك التي يعيشها شعب فلسطين؟ أي وجع هو ذاك الذي لا يجد أذناً تصغي، ولا ضميراً يفيق؟ ما يجري في غزة اليوم، هو امتداد لسياسات إبادة جماعية ممنهجة تسعى لترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم قسراً، في عملية تطهير عرقي غير مسبوقة في القرن الواحد والعشرين. إن مخطط الجنرالات الإسرائيليين ليس جديداً، هو ذاته المخطط الذي بدأ منذ نكبة عام 1948، لكنه اليوم بات أكثر وحشيةً وهمجيةً، مستنداً إلى صمت عالمي مريب، وصمت عربي أكثر إيلاماً.
نحن اليوم أمام مشهدٍ دموي لا يحتمل أي تبرير. أطفالٌ يُذبحون، نساءٌ تُقصف بيوتهن على رؤوسهن، وعائلاتٌ تمحى من سجلات الحياة في لحظات، دون أن يهتز ضمير الإنسانية. ما يجري في غزة ليس مجرد حرب، إنه مجزرة متكاملة الأركان، تستهدف الوجود الفلسطيني نفسه، وتحاول القضاء على الهوية والتاريخ والحاضر والمستقبل.
على العالم أن يدرك أن هذه المذبحة جرح غائر في ضمير كل إنسانٍ حرٍ، وصمة عار في تاريخ كل من يقف مكتوف الأيدي بينما تُرتكب هذه الجرائم في كل وقت . هذه المجزرة يجب ألا تمر مرور الكرام، ويجب أن تبقى ذكرى شهداء بيت لاهيا وشهداء جباليا وأبناء غزة جميعاً، شاهداً على خذلان العالم للشعب الفلسطيني.
إلى أولئك الذين يتغنون بالعدالة، أين أنتم اليوم من أطفالٍ يُدفنون أحياء تحت أنقاض منازلهم؟ أين أنتم من نساءٍ تصرخن بأسماء أطفالهن وهن يلفظن أنفاسهن الأخيرة؟ هل سيظل صوت الحق مغيباً تحت ثقل المصالح الدولية؟ أم أن العالم سيظل متفرجاً على مشهدٍ يتكرر كل بضعة أعوام دون أن يتحرك ساكن؟
إن الشعب الفلسطيني، الذي يعاني منذ عقود، لا ينتظر من العالم الشفقة، بل العدالة. العدالة التي تأخرت كثيراً. العدالة التي تتطلب إنهاء الاحتلال، ومحاكمة المجرمين الذين يقفون خلف هذه الجرائم. وإذا استمر العالم في صمته، فإنه يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية التاريخية.
هذا الاحتلال النازي لا يعرف للإنسانية قيمة، ولا يُلقي بالاً للقوانين الدولية أو الحقوق الأساسية. إنه يسعى لتفريغ فلسطين من أهلها، لكنه لن ينجح. لن يُثني شعب غزة عن صموده، ولن يُرهب الفلسطينيين. في كل شبر من أرض فلسطين، وفي كل قلب ينبض بالحرية، سنظل نقاوم، وستظل صرخاتنا شاهدة على كل قطرة دم سُفكت، وكل روح أُزهقت، وكل بيتٍ هُدم.
على العالم أن يتحرك، وأن يدرك أن الزمن لن يغفر لمن صمت عن هذه الجرائم.