حلها معي

بشار جرار

كسرا لا فتحا! ما أعنيه هو الرجاء لا الادعاء. في القضايا والأزمات والتحولات الكبرى، من الصعب والمستبعد أن يملك الحل شخص واحد مهما علا شأنه. الأرجح والأولى والأجدى هي الشراكة في صنع الحلول لا إيجادها فقط.

هو تطبيق عملي صادق أمين لشعار ردده كثيرون منذ سنين، ألا وهو التفكير خارج الصندوق! من الحكمة ألا يخرج علينا أحد -أيا كان فردا، جماعة أو حزبا- بالتفكير لوحده خارج الصندوق، خاصة إن كان تاريخه زهاء قرن -زاد أو نقص قليلا- تفكيرا معلّبا! معلّب في عبوات اعتلاها الصدأ -على اختلاف الساحات- ونخرت زواياها الاسطوانية -في مختلف النظم شرقا وغربا- ما هو أكثر عيبا من الصدأ، حتى وإن لمع كما الذهب الأصفر، وأبرق كما الفضة أو الذهب الأبيض! تعليب فسدت فيه حتى مواده الحافظة، مهما سوقوا وروجوا لبضاعتهم المغشوشة، على البسطات قرب عتبات وسط الزحام أو فوق البكبات في الجَلَبَة والزحمة أيضا.

بعد الذي سمعناه ورأيناه على بعض الفضائيات في يوم علته سحب متفرقة، منشأها منخفض غير ماطر وليس بذي ثمر، صار لا بد من التصريح لا مجرد التلميح حرصا على «تطييب الخواطر» ومراعاة المشاعر. لكن تلك الشعرة -شعرة معاوية- مازالت خصلة وسنّة حميدة لا بد من شدها وإرخائها مرارا وتكرارا، نفسُنا ولله الحمد والمنّة، طويل.. معروفون لدينا جميعا، أولئك الذين ما فتئوا أو لعلهم ما انفكّوا يمارسون انتهازية فضحت تقيّتهم في «الساحات» كلها. يعلمون أكثر من غيرهم -أكثر من ذلك «المحور»- يعلمون سمات الحليم، تماما كما يعرفون جيدا أن ذلك الحليم حكيم لأنه من قبل -كابرا عن كابر- رحيم.

المحبة والحكمة والرحمة والأناة والوداعة، جوهرها واحد. إلهيّة المنشأ، ربّانية المكمن والمظهر و»المنشط والمكره»، يحياها أولئك العارفون لربهم، فترى ملامحهم بلا لثام ولا قناع ولا يتحدثون أبدا من وراء حجاب ولا ستار. شماغ مهدّب، نبطيّ أردنيّ هاشميّ، مهدّب يدويا غير مستورد من أي «مول» أو بازار!! وعقال على الراس لا يعلوه سوى التاج، تاج العرش المفدى للوطن الأغلى. تراتبيّة الشعار أردنيا، تراتبية في أعلى درجات الانضباط -الضبط والربط- مدرسة بين ملكيات الدنيا كلها، قديمها وحديثها. الشعار كان وسيبقى: الله فالوطن فالملك. لا مكان لراية أو شعار أو اسم اخر، ولا بيعة إلا لهاشمي، ولا مليك إلا عبدالله الثاني ابن الحسين أبا الحسين.

انتقل من الحديث عن الشأن العام إلى الخاص، ولذلك غاية تخفف عن الكاتب والقارئ الحرج. كل زيارة سنوية، كل حج للديار المقدسة، لأردن الشهامة والقداسة والرسالة، أحرص على الاطمئنان على صحتي وصحت أسرتي. نراجع أطباء نطاسيين من ذوي الاختصاص، ونجري فحوصات مخبرية عالية الجودة. لن أتحدث عن أشعة ولا طبقيّة ولا رنينا، ولا منظارا ولا فحص سونار. أحصر رسالتي الخاصة بالرعاية الصحية والسلامة والمصلحة العامة بكلمتين «خفيفتين على اللسان ثقيلتين في ميزان الرحمن» يحفظهما عن ظهر قلب الأردنيون كافة، مسلمين ومسيحيين، من شتى الأصول والمنابت: سبحان الله وبحمده، وما يقابلهما من مفردات في عقائد تثري تعدديتنا الوطنية. كلنا نسبح الله ونشكره، نمجّد اسمه ونعمل بإيمان وعزم على تحقيق مشيئته بحسب توقيته، ومن أغلاها عليه سبحانه -كما في الكتب المقدسة كلها- حفظ أغلى ما وهبنا جميعا -بشرا ومخلوقات حية- ألا وهي الحياة والسلام والرفاه.

بلغة طبية لا تعالي فيها ولا تكلّف، قالت لي الطبيبة وهي خريجة أم الجامعات الأردنية وأم المؤسسات الطبية الأردنية الخدمات الطبية الملكية، قالت بمحبة وثقة وعشم: حلها معي. بأدبها الجمّ وعلمها الوفير، دعتني أنا الجاهل فيما أتقنت وأبدعت، دعتني إلى مساعدتها في حل مشكلة بعض النتائج الطبية معا.. لم تدّعِ أبدا امتلاك «طلقة فضية» أو «حبة سحرية» تخفي الأعراض وتشفي العلل، بل علّمتني كيف أساعدها في حسن التشخيص، ومن ثم حسن اختيار العلاج. بالتراضي القائم على المحبة أولا والخدمة ثانيا ولا ضير المنفعة ثالثا.

أعود الآن إلى العام، ثمة أعراض مقلقة بلغت حدا يستدعي «الحل». لا بد من ترياق للعلل لا الأعراض، كونها شديدة السمية، خدّاعة كما الحرباء. إن استصعب البعض الترياق، فما من بد عن قطع رأس الأفعى، لا قلع نابيها فقط.

نحمد الله ونشكره، العُقاب والشاهين بخير..